تزايد حالات الطلاق بين حديثي الزواج بسبب التشدُّد في الرؤية

فتلك الإنابة في هذا القرار المصيري حذر منها علماء الدين والاجتماع، فالكثير من حالات الطلاق تتم فور عقد القران، أو في الأسبوع الأول من الزواج، والسبب عدم رؤية الخاطب والمخطوبة لبعضهما بعضًا، وفقًا لما قرره الشرع، فجميعنا كمسلمين نعلم أنَّ ديننا الحنيف أعطى الرجل الحرية الكاملة في اختيار زوجته، وأذن له برؤية الفتاة التي ينوي الزواج منها، وفق ما جاء في حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن النظرة الشرعيَّة قبل الزواج، لكن بعض الأسر السعوديَّة لا تعرف ما هي النظرة الشرعية، وما حدودها، حسبما يؤكد الشيخ الدكتور أحمد المعبي، الذي رفض ذات مرة الاقتران بفتاة؛ لأنَّ والدها رفض أن يتيح له رؤيتها إلا بعد عقد القران. فما هي حدود الرؤية الشرعيَّة؟ وما هي ضوابطها، وتأثيرها على استمرارية الزواج، وبناء الأسرة السعيدة في المستقبل.

 

لابد من الرؤية الشرعية

الشيخ المعبي أكد أنَّ رؤية الخاطب لمخطوبته أمر سائد في كافة المجتمعات، وتعد من العادات المشروعة التي لا جدال فيها، وكانت سائدة عند العرب وغير العرب حتى قبل الإسلام، فجاء الإسلام ونظمها، وجعل لها حدودًا وضوابط، وأباح الشرع للخاطب أن يرى مخطوبته، وينظر إليها في وجود محارمها، وأضاف أن هناك من توسعوا في حدود وضوابط الرؤية، وهناك من تشددوا. فمن توسعوا خرجوا عن المألوف، ومن تشددوا خالفوا الشرع والعادات والتقاليد، حيث لا يسمحون للخاطب بأن يرى حتى وجه مخطوبته إلا بعد العقد عليها. وحول حدود وضوابط الرؤية قال الدكتور المعبي: «حدودها أن يرى منها ما يراه محارمها، وكل ما هو مباح أن يراه الأب من ابنته، والأخ من أخته، يباح للخاطب أن يراه من مخطوبته، ويضبط ذلك الأمر بوجود محارمها».

 

لا إفراط ولا تفريط

وحذّر المعبي من التساهل والتوسع في هذه المسألة، سواء في مرحلة الخطبة، أو فترة عقد القران؛ لأنَّ الخطبة وعد بالزواج، وبالتالي لا يجوز التساهل في خروج الفتاة مع خطيبها، أو الخلوة غير الشرعيَّة بينهما، كما أنَّ التساهل المطلق في فترة عقد القران أمر يجب الانتباه إليه، فغالبية الشباب لا يقبلون بالفتاة المتساهلة حتى ولو كان عاقدًا عليها، وكثير من الزيجات كتب لها عدم النجاح والاستمرارية وانتهت بالطلاق نتيجة لهذا الأمر.

وعاد المعبي ليشدد ويحذر من التشدد في عدم الرؤية، ويقول: «كثيرة هي حالات الطلاق التي يشهدها المجتمع؛ نتيجة عدم رؤية الخاطب خطيبته إلا بعد الزواج»، موضحًا أنَّ نسبة الطلاق التي ترجع لهذا السبب تصل إلى 50 %، وهذا رقم مخيف يدعونا للانتباه والتحذير من خطورته على المجتمع، فكثير من الفتيات يحملن لقب مطلقات وهن مازلن أبكارًا، وكثير من السيدات يطلقن بمجرد الدخول بهن، والسبب يرجع إلى التشدد في عدم الرؤية، أو الاعتماد على وصف الأم أو الأخت أو الخاطبة.

 

الطلاق قبل الدخول

وأوضح الدكتور المعبي أنَّ هناك سببين للطلاق في فترة عقد القران -الملكة- الأول: عدم حصول الرؤية الشرعية الصحيحة، وخروج الفتاة مع الزوج دون محرم، فهذه من المخالفات التي يجب الانتباه إليها، فلا ينبغي أن تخرج معه دون محرم، ولا أن ينفرد بها إلا ليلة الزفاف وما بعدها؛ حتى لا تضيع عليها فرصة الزواج الحقيقي، ويجب على الشاب أن يتجنب الخروج مع خطيبته وقت الخطبة؛ لأنَّ ذلك محرّم شرعًا، وفي فترة الملكة لا ينبغي لها أيضًا أن تخرج معه؛ لأنه قد يستمتع بها فترة ثم يطلقها، وأروقة المحاكم تمتلئ بالقضايا التي تأتي كنتيجة حتميَّة لهذا التساهل.

 

الطلاق قبل الزفاف

مشاريع زواج كثيرة بدأت ولم يكتب لها الاستمرارية، وقصة الشاب فهد -كما يقول المعبي- تشكل مثالاً واضحًا وواقعيًا لما يحدث في المجتمع السعودي، حيث طلق زوجته بعد شهر من الدخول بها؛ لأنه لم يجد فيها ما قالته له والدته من مواصفات دفعته للاقتران بها، إذ تزوج فهد من فتاة لم يشاهد منها إلا وجهها فقط ولدقائق معدودة، وعلى وصف والدته لها، وعندما تزوجها ولم يجد بها ما يسرّه واجه والدته، وقال لها: لقد خدعت، وقررت الطلاق، بالطبع حاولت والدته ثنيه عن هذا القرار، لكنه تمسك بقراره وطلق زوجته قبل مرور أقل من شهر على الزواج.

ويضيف الدكتور المعبي: الزواج يؤسس أسرة، والأسرة نواة المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع، وبالتالي علينا أن نعمل الشرع، ونراعي توجيهات رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، في تأسيس هذه النواة، وإذا كانت الرؤية الشرعية حقًا للشاب، فهي حق للفتاة أيضًا، ونطالب الأسر بعدم التشدد في مسألة الرؤية؛ حتى نؤسس لحياة زوجيَّة دائمة وسعيدة.

ويعود الدكتور المعبي ليؤكد أنَّ الناس في مسألة الرؤية الشرعيَّة على طرفي نقيض، بعضهم متشددون متعصبون عطلوا هذه السنة المجمع عليها، فيمنع الخاطب من رؤية المخطوبة، وهذا مخالف للشرع. وبعضهم يرخون للخاطبين العنان، ويدعونهما يخلوان، ويتنزهان في الأماكن البعيدة الخالية، وهذا حرام لا يجوز.

وأكد أنَّ التوافق هو أساس في استمرار الحياة الزوجيَّة، وسبب في نجاح الزواج، ودوام الألفة، وتعتبر الرؤية هي المفتاح الأول لذلك التوافق، وقد شرعت هذه الرؤية وهذا النظر ليجد كل من الرجل والمرأة ما في الآخر من ميزات وعيوب، وما يستطيع أن يتقبله كل منهما فيمن سيكون شريكه في الحياة؛ حتى لا يتهدم البناء بعد الزواج، وتتشقق العلاقات وتتصدع الزوجية، ويكون الانفصال بسلبياته النفسية والاجتماعية من نصيب الطرفين.

 

المواضع التي ينظر إليها

ذهب الجمهور من العلماء إلى أنَّ الرجل ينظر إلى الوجه والكفين لا غير؛ لأنه يستدل بالنظر إلى الوجه على الجمال أو الدمامة، وإلى الكفين على خصوبة البدن أو عدمها، وقال داود: «ينظر إلى جميع البدن»، وقال الأوزاعي: «ينظر إلى مواضع اللحم»، والأحاديث لم تعين مواضع النظر، بل أطلقت لينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه.

وليس هذا الحكم مقصورًا على الرجل، بل هو ثابت للمرأة أيضًا، فلها أن تنظر إلى خاطبها، فتنظر إلى وجهه وهيئته، فإنه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها، قال عمر: «لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن»، ويقول تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ...}.

والمصلحة المرادة من النظر هي دوام الألفة، تتحقق بنظر المرأة كما تتحقق بنظر الرجل.