عقب أحداث تونس الأخيرة (ثورة الياسمين)، والتي اندلعت شرارتها بإحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه انتقلت العدوى، وتحول الانتحار إلى ما يشبه الظاهرة العشوائية في عدد من الدول العربية كنوع من التعبير عن حالة الاستياء، وكوسيلة للضغط على المسؤولين للاستجابة لمطالب المواطنين سواء كانت شخصية أو عامة.
"سيدتي" استفتت بعض العلماء بخصوص هذه الظاهرة الخطيرة.
مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
العديد من العلماء في السعودية خصصوا خطب الجمعة للتطرق للحديث عن الانتحار وبيان حكم الشرع، ففي الرياض اعتبر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية، رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، الانتحار جريمة نكراء ومصيبة عظيمة، ومن يقدمون عليه مهما كانت الأسباب والدوافع الدنيوية يرتكبون إثماً عظيماً، ووعدهم الله بالعقوبة الشديدة والعذاب الأليم؛ لأنّ قتل الإنسان نفسه يعد أعظم بلاء، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية حذّرت من هذا البلاء العظيم، والانتحار محرم شرعاً ولا يجوز الإقدام عليه من مسلم، ومن يقدم عليه بقتل نفسه فسببه ضعف الإيمان.
وأكد المفتي العام على ضرورة أن يتعلق العبد بربه، وتكون ثقته فيه، وأنّ المولى عزّ وجلّ هو الرازق وهو الذي يعطي ويمنع، ولقد تكفّل ربّ العباد برزقهم، وإنّ مع العسر يسراً، وعلى المسلم ألا يقنط من رحمة الله.
مغالطات
حذر مفتي السعودية ممن يروّجون للانتحار، ويحتفون بمن يقتلون أنفسهم، ومن يطلقون عليهم أنهم شهداء، فهذه مغالطات وأراجيف، فلا يقدم على الانتحار إلا ضعيف الإيمان ومن ليس لديه ثقة بالله، ومن سوّلت له نفسه قتلها. وقال المفتي العام: "إنّ هذه بلايا ومصائب حلّت بالمسلمين، وجرائم نكراء يروّج لها الإعلام أحياناً، ويصف من ينتحرون بالشجعان ومن يقدمون عليه بالأبطال، وهذه كلها مخالفة للشرع، وحذّر سماحته من هذه الظاهرة، ومن الإقدام عليها".
أسباب الانتحار
وأكد الشيخ صالح آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام أن الانتحار والإلقاء بالنفس للهلاك جريمة واعتداء تجاه الفطرة والإنسانية والدين، وقال: من خافه شيء أو أصابه بلاء أو نزلت به محنة، أو اشتدت عليه كربة فلا يجوز له أبدا أن يقتل نفسه فإن فعل فإن مصيره إلى النار، وأشار إلى أن بروز ظاهرة الانتحار تستلزم من أرباب التربية والمصلحين وقفة جادة تجاه ملاحظة أصحابها وأسبابها ومؤججاتها من ضعف الدين والانحراف والبطالة وتعاطي المسكرات والمخدرات ومثيرات الضغوط النفسية في الحياة، وعلاج كل ما يمكن أن يؤدي إلى اليأس والإحباط، وتربية النفوس على الإيمان بالله والاعتصام به واللجوء اليه.
التوبة قبل فوات الأوان
فيما دعا الشيخ حسين آل الشيخ، إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين حكاما ومحكومين للتوبة قبل فوات الأوان، وأن يحكموا شرع الله وينبذوا القوانين الوضعية، وأشار إلى أن الكثير من البلدان الإسلامية تعاني المحن والفتن والمصائب والتفرق والاختلاف مما يندى له الجبين ويكرهه المؤمنون، وهم بحاجة إلى ما يصلح الأوضاع ويرفع الآلام ويكشف الغمة ويمنع الفساد والشرور .
تفريط في الأمانة
في حين اعتبر الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي، الانتحار تفريطًا في أمانة الله، إذ يرى أن الانتحار ليس هو الأسلوب الأمثل للتعبير عن أية شكاية أو احتجاج؛ لأن النفس البشرية تعد أمانة الله في يد صاحبها، فعليه أن يحسن الأمانة ويعتنى بها كما أمر بذلك الله في محكم تنزيله.
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وإن فرط فيها فهو خائن، وعقوبته في الآخرة الخلود في النار كما جاء ذلك في الحديث الشريف.
اجتماع طارىء
وفي مصر وبعد أن تجاوز عدد حالات الانتحار في القاهرة والمحافظات المصرية أكثر من عشر حالات أصدر أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في اجتماعهم الطارئ برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بياناً أكدوا فيه رفض الشريعة الإسلامية القاطع لهذا النهج، وتجريم من يقومون بالانتحار حرقاً، أو بأي وسيلة أخرى تعبيراً عن رفضهم للأوضاع الاقتصادية، وأكد أعضاء المجمع أنّ إقدام أي فرد على الانتحار وإنهاء حياته (حرام شرعاً)، ولا يجوز بأي حال من الأحوال.
هل المنتحر كافر؟
وعن حكم غسل المنتحر والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين أشار مفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ إلى أن المنتحر مرتكب كبيرة، وليس بكافر فيغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه الأفاضل من الناس لما صدر عنه وزجراً لغيره.
وأضاف: الانتحار مهما اختلفت طرقه سواء كان بالسم أو بسلاح أو بحرق أو بغرق جريمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا فرق بين من يتعمد قتل نفسه أو قتل غيره.
عقوبة المنتحر
وأما عن عقوبة الانتحار في الآخرة فهي أنه يعذب في جهنم بنفس الأداة أو الطريقة التي قتل بها نفسه، وهذا ما أكده الشيخ عبد القادر لشهب عضو لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر الذي قال: عقوبة الانتحار عند الله كبيرة جدا ًكما جاء في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، مضيفاً أنّ كل من يقتل نفسه بأداة ما أو يعذب نفسه بنفس الشيء ستبقى هاجسه وأداة عقابه في جهنم، فعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:
"مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
الله عز وجل حرّم القتل، ومن يقدم على مثل هذا الفعل مهما كانت دوافعه فهو شخص جبان يهرب من نعمة الحياة التي وهبها الله له، ويكفر بهذه النعمة ويجحد بها، وما يقدم عليه جريمة نكراء، وتعتبر اعتداء على حد من حدود الله؛ مستشهداً بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.