التبني كان عادة جاهلية راسخة بين العرب قبل مجيء الإسلام، فكان الرجل منهم إذا لم يكن له نسل يعمد إلى ولد أو بنت من أقاربه أو عشيرته، أو حتى مجهول النسب، أو من وقع من الأطفال في السبي وبيع في الأسواق، فينزل الذي تبناه منزلة الابن أو البنت، ويمنحه اسمه، ويعطيه حقوق الابن الشرعي ومنها الميراث.
وقد تبنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة، أهدته خديجة، رضي الله عنها، إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعي زيد بن محمد، إلى أن نزل الوحي بإبطال التبني، قال تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» (الأحزاب 40). وقال: « وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ» (الأحزاب 4 – 5)، والدعي من الادعاء وهو زعم الزاعم الشيء حقًا له وما هو كذلك.
اختلاط الأنساب
وقد ثبت ما في التبني من تزوير للحقائق؛ إذ يسلخ الطفل من نسبه الطبيعي ويمنحه شخصية مدنية مكذوبة، فينشأ وهو مخدوع في نفسه وفيمن حوله، حتى إذا انكشفت الحقيقة أمامه اصطدمت نفسه البريئة بأن كل ما حوله مزيف، لتبدأ رحلة المتاعب النفسية في البحث عن أصوله، وربما انقلبت وضعيته الاجتماعية رأسًا على عقب، والتجربة ماثلة أمامنا، سواء في المعيش اليومي أو ما نراه على بعض الشاشات العربية وغير العربية، التي بدأت تخصص حيزًا إعلاميًا؛ للتعريف بهؤلاء ومساعدتهم على الوصول إلى التعرف على آبائهم الحقيقيين. أضف إلى ذلك خطورة اختلاط الأنساب؛ فقد يتزوج المتبنى إحدى محارمه «أخته مثلاً»، وهو لا يعلم ذلك، وقد تضعه الأقدار أمام هذا المأزق دون أن يدري، وإثم ذلك كله على المتبني، وعلى من وضع هذا النظام الجائر.
لتنجلي بذلك حكمة الإسلام في إبطال التبني؛ لما فيه من الظلم على شخصية الطفل، وما يلحق بسببه من التشويه والتزوير. وقدّم الإسلام نظامًا بديلاً عن ذلك، وهو نظام الكفالة، الذي جاء ذكره في قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة 71)، وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، (أخرجه البخاري وأحمد والترمذي).
والكفالة هي أن تعمد إلى يتيم أو فقير من أبناء المسلمين سواء كان من ذوي القرابة أو غيرهم، فتؤويه إليك وتتكفل بتربيته ورعايته وتعليمه كأنه أحد أولادك، دون أن تمنحه اسمك، ويجيز لك الشرع بأن توصي له من مالك بقدر الثلث.
مجهولو النسب
أما مجهولو النسب فتقول بعض الدراسات الحديثة: إن عددهم في ازدياد مطرد، وأغلبهم مما يقال عنهم لقطاء، جاءوا نتيجة علاقة محرمة، وهؤلاء منحهم الإسلام رعاية وعناية أخص من اليتيم؛ لأن اليتيم قد تكون أمه بجانبه، وقد يزوره خاله وعمه وخالته وعمته، أما مجهول النسب فإنه منقطع عن كل أحد؛ ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب. ولذلك هم إخوة لنا في الدين أو موالي، كما في قوله عز وجل: «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ».
وفي ذلك توسعة من ناحية التشريع؛ بإيجاد الحلول المناسبة التي تضمن للأطفال المكفولين «خصوصًا مجهولي النسب» حياة طبيعية وعادية، تحقيقًا للمصلحة الفردية والجماعية، ولولاة الأمور وواضعي القوانين أن يقدروا هذه المصلحة المرسلة التي هي باب عظيم من أبواب التشريع كمنح لقب افتراضي، ولا يعدم المسلمون الحلول التي تحفظ الأنساب وتراعي الحقوق.