في الشهر الكريم تطفو المشاعر والعواطف الإنسانية، وتسمو القلوب، فيترفع المرء عن شهوات الدنيا وما فيها، حرصًا على إرضاء الله، ويمتلئ قلبه بالخير والعفو والتسامح وحسن المعاملة للناس. وفي هذا الشهر أيضًا تبدو أجمل صور التواصل الاجتماعي بين الناس، حيثُ الزيارات وسبل الاطمئنان، وعلى كل زوجة ـوأم ـ أن تقوم بدورها لتحقيق هذا الانسجام بين روحانية الشهر وتوطيد العلاقات، وتنظيم أوقات الطعام وسبل الإنفاق، فكيف يتم ذلك وأنت تنجزين قليلًا من الواجبات بكثير من الحب؟
عن هذا الدور، ومهمة الزوج في الشهر الكريم، أعد الدكتور «محمد رأفت عثمان» أستاذ الفقه المقارن بالأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بحثًا رمضانيًّا مطولاً.
يقول في بداية بحثه: «رمضان موسم للطاعات والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى كل مسلم أن يسعى لاغتنام أيامه بالاجتهاد في نهاره وليله، للحصول على الكم الأكبر من الحسنات، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وفي هذه الأيام تكون الفرصة سانحة لمد جسر التواصل بين الأهل والأزواج، رمضان شهر يتيح لكل امرئ أن يغير ويتغير نحو الأفضل، فهل انتهزنا الفرصة؟!».
الأم القدوة
هناك 3 بنود على كل زوجة وأم الالتزام بها، أولها الجانب الروحي، وتبثه الأم بالقدوة الصالحة، وتمسكها بأوامر الله، والبعد عن كل ما يسيء من تصرفات، فالأطفال ينشأون حسب ما غرز فيهم من صفات.
ويضيف مؤكدًا: والثابت من آراء أساتذة الاجتماع، والنفس وعلم البيولوجي أن الأم صاحبة التأثير الأكبر في مرحلة الطفولة، خاصة في الأمور الدينية، إن أحسنت غرسها في طفلها يصعب أن تفسد أو تتبدل عند الكبر.
الطعام والإنفاق
كما يرى الدكتور «محمد رأفت» في بحثه: أن على الأم مساعدة أسرتها في أداء فريضة الصيام بصورة مريحة؛ وذلك بتنظيم أوقات السحور، بأن تكون قبل الفجر بساعة ـ مثلًا ـ حتى يرتاح الأبناء خلال الوجبة، ولا يتناولوها على عجل!
والمجال الثالث يتجلى في حسن الإنفاق، بعدم المبالغة في المصاريف على أشياء يمكن الاستغناء عنها، وهكذا.
اللهم إني صائم!
وعن مهمة الزوج الأب في هذا الشهر الكريم، قال الدكتور «محمد رأفت عثمان» أستاذ الفقه بجامعة الأزهر في بحثه:
لابد أن يشعر بأن الصيام يمنع التجاوزات، فإن كان يغضب كثيراُ، ويتلفظ بعبارات شديدة لزوجته ولأبنائه، فعليه أن يلتزم بالسلوك الواجب في كل الأيام ـ خاصة في شهر الصيام ـ وأن يكون الشهر مرانًا على الالتزام.
ويقول معقبًا: نرى كثيرًا من الرجال تنتابهم حالة من العصبية مع قدوم الشهر؛ ونقول رمضان ليس إعلانًا عن سوء الخلق! «وإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم» لأن رمضان فرصة ليغير الإنسان من سلوكه إلى الأفضل.
محطات!
الطاعات والعبادات في شهر رمضان أشبه بالمحطات في الحياة، فصلاة الجمعة محطة للتعوُّد على التعارف والتآلف والاستماع للعظات، مما يجعلك تحس بقيمة هذه العبادة الدورية الأسبوعية، وما إذا لم تكن هناك، فحال الناس سيكون أكثر ميلًا للتنافر وعدم التلاقي!
ويضيف الدكتور «محمد رأفت» في بحثه متسائلًا: فماذا لو تصورنا عدم وجود الشهر الكريم الإجابة: لن تكون هناك الفرصة لتقوية النفس على الصبر، والإمساك عن فلتات اللسان، والإكثار من العبادات، كصلاة التراويح، وقراءة القرآن.. الخ
جسر من الحب
وفي جزء خاص من البحث أفرد الدكتور «محمد رأفت عثمان» -عضو مجمع البحوث الإسلامية- فصلًا عن كيفية تقوية العلاقة الزوجية في شهر رمضان حيثُ يقول: تنعكس الروحانيات في هذا الشهر على طباع كل من الزوجين، والفرصة سانحة لمد جسر الحب والتواصل بينهما، وتقوية صلة الرحم من جديد، رمضان أنسب فرصة لتدريب الزوجين على طاعة بعضهما البعض، ونبذ الخلافات الزوجية، فالأبحاث والأرقام تؤكد قلة نسبة الخلافات في هذا الشهر الكريم، حيثُ تبين أن العوامل المادية والنفسية والروحية الموجودة في هذه الأيام تساعد على وضع النموذج الحسن للمعاملة الزوجية العائلية.
ويضيف مشجعًا: إن غاية الصيام التقوى، ولا تكون إلا بطاعة الله فيما أمر، والابتعاد عما نهى في كافة المجالات، ومنها الأسرة والعلاقة الزوجية.
داء الإسراف
يقول عز وجل: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.. وكان رسولنا الكريم يتقوّت بلقيمات قليلة، ولو كان جائعًا ّ! كما ربى أصحابه رضوان الله عليهم على القناعة في الطعام يوم قال لهم: «طعام الواحد يكفي لاثنين، وطعام الاثنين يكفي لأربعة، وطعام الأربعة يكفي ثمانية » رواه مسلم، وعلاج الإسراف في الطعام يكون بالإيمان الصادق والحزم مع النفس والإرادة القوية، وما أصدق ما يكون هذا هو حال المسلم في شهر رمضان.
للتواصل العائلي والزوجي 8 طرق!
وعن المواصفات وطرق التواصل الإنساني، العائلي والزوجي في هذا الشهر أفرد الدكتور «محمد رأفت عثمان» أستاذ الفقه بجامعة الأزهر عدة طرق للأزواج والزوجات.
- تدارسوا فضائل الشهر الكريم، وفضائل الصيام، واستحضروا النية في الصيام، مع تذكر الأجر الأعظم من الله عز وجل، «فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» رواه البخاري ومسلم.
- نوِّعوا عباداتكم أثناء الشهر من صيام لقيام لقراءة قرآن، وإطعام الطعام، إنفاق صدقات، حتى يشعر الصائم بمزيد من الاجتهاد والطاعات.
- تذكروا الوقت وحساب الأيام التي مرت، فهذا يُجدد النشاط، ويدفع لمضاعفة العبادة، والابتعاد عن الكسل.
- على الزوج أن يكون أكثر سماحة وعونًا للزوجة، وعلى الزوجة أن تقلل من طلباتها في هذا الشهر، ولتعلم أنه شهر عبادة، وليس للإكثار من الطعام، فالزاد الحقيقي هو التقوى.
- وازنوا بين أوقات الولائم الرمضانية، واللقاءات العائلية، ومشاهدة التلفاز، وأوقات الصلاة والعبادة وقراءة القرآن.
- عوِّدوا الأبناء على التعايش في جو رمضان الحقيقي، بتفويض بعض المهام لهم من مسئوليات بيتية، أو توزيع لبعض الأطعمة.
- تسامحوا واغفروا واصبروا على المكاره، فلا تفتعلي النكد والمشاحنات في بيتك، واحرصي على أداء بعض العبادات أنت وزوجك
- كوني صاحبة أذن حكيمة؛ تستجيب وتُنصت للطيب الجميل، وتصم وتغلق نفسها وتتغاضى عن سماع القبيح.