صدق من قال: إن المرأة هي نصف المجتمع، وصدق من قال أيضًا إن المرأة هي الأم والأخت والزوجة، ولكن ما لا يصدق هو أن المرأة العصرية، بحسب دراسات عالمية، بدأت تحس بأنها لم تعد تتمتع بهذه الصفات والميزات بسبب المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، وصعوبة التعامل مع تلك المسؤولية هو شعور كثير من النساء العصريات فرضته مشاكل الحياة عليهن، فوقعن أمام خيارين: إما الاستسلام أو التعامل مع هذه المشاكل، بشكل عصري.
في دراسة أطلقها معهد «آيرتون» البرازيلي، المتخصص بالدراسات الاجتماعية، كشف أن المرأة العصرية تشكو من أمور كانت تمثل حلمًا بالنسبة للمرأة القديمة التي حرمت من أشياء كثيرة تتمتع بها المرأة العصرية، وتعتبرها مشاكل ولكنها في الحقيقة إنجازات على جانب كبير من الأهمية. وأضافت الدراسة أن 69 % من أصل 8 آلاف امرأة من مختلف الجنسيات، تم سؤالهن عن المشاكل العصرية للمرأة، أكدن أن وضع المرأة العصرية أصبح أكثر تعقيدًا من السابق، وأن ما يسمونه إنجازات بالنسبة لها باتت تتبخر بلمح البصر عند مقارنتها بالإنجازات التي يتمتع بها الرجل العصري.
وتابعت الدراسة التي شارك فيها اختصاصيون بالشؤون الاجتماعية والنسائية تقول: «إن المرأة العصرية ربما فوجئت بسرعة الإنجازات التي جلبتها الحداثة عليها في عقد الستينيات من القرن الماضي في أوروبا على وجه الخصوص، فخلال نحو خمسين عامًا هناك انقرضت نظريات وفرضيات عن المرأة، ودورها في المجتمع كانقراض الديناصورات، والفترة تعتبر قصيرة إذا ما قورنت بالمزايا التي يتمتع بها الرجال منذ آلاف السنين.
فما حصلت عليه المرأة من حقوق في أوروبا والولايات المتحدة وبعض بلدان أميركا اللاتينية والبلدان العربية، يعتبر ضخمًا قياسًا بالفترة التي كان من المفروض أن تتكيف، وتتلاءم معها المرأة خلال خمسين سنة. وشبهت الدراسة ذلك بشخص يجد نفسه مليونيرًا في لحظة لربحه جائزة اليانصيب، فذلك الشخص إذا كان معدومًا طوال حياته فسيجد صعوبة بالغة في التعامل مع المال الذي ربحه، وقد يستغرق ذلك وقتًا طويلاً، وتنطبق هذه الحالة على النساء العصريات، اللواتي وجدن أنفسهن أمام تغييرات هائلة في خمسين عامًا من أصل آلاف السنين من المعدومية.
مشاكل المرأة العصرية
حددت الدراسة ست مشاكل رئيسة تواجهها المرأة العصرية بحسب مفهومها مع أنها تعتبر إنجازات من الناحية المنطقية:
أولاً: المهنة
71 % من النساء اللواتي أدلين برأيهن اعتبرن أن عمل المرأة مشكلة رغم توافر الأجواء لها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، فهن مازلن يرين أن هناك تمييزًا ضد المرأة في العمل من حيث تلقيها أجرًا أقل بكثير من أجر الرجل حتى في الدول المتقدمة. وعلقت الدراسة: «ربما يكون في هذا جانب من الحقيقة، ولكن ماذا عن الفترة التي سبقت الثورة التحررية للمرأة في ستينيات العقد الماضي»؟
برأي اختصاصيي الدراسة إن الحصول على الإنجازات لا يأتي دفعة واحدة بسبب التراكمات السابقة. ولذلك فإن المرأة مازالت تطالب بالحقوق، وهذا يعني أن الإنجازات لم تكتمل بعد، وعليها التحلي بالصبر إلى أن يأتي ذلك اليوم، وتشعر فيه بأنها متساوية مع الرجل في كل شيء. تستدرك الدراسة: «ذلك لا يعني ولا بحال من الأحوال تفضيل الرجل على المرأة، وإنما إعطاء مزيد من الوقت؛ لكي تحقق المرأة طموحاتها. والدليل على ذلك هو أن هناك نساءً وصلن إلى أعلى المراتب في بعض المجتمعات، بما في ذلك منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزيرات».
ثانيًا: الأسرة
لا يمكن الاستهانة بالإنجازات التي حصلت عليها المرأة في الأسرة. فقديمًا كانت هناك مجتمعات لا تقبل حتى بقدوم المواليد الإناث، ولكن اليوم هناك قوانين تعاقب من يتذمر من قدوم العنصر النسائي، بل إن هناك عائلات كثيرة تحبذ قدوم مواليد إناث انطلاقًا من الاعتقاد بأن الابنة لا تجلب المشاكل التي يجلبها الابن للأسرة.
ربما تواصل المرأة مواجهة مشاكل في الأسرة، ولكن ذلك يعتمد على حال الأسرة نفسها، وتفكيرها والاعتقادات التي تؤمن بها. ولكن على العموم فإن وضع المرأة تحسن بشكل لافت مقارنة مع العهود السابقة للثورة التحررية للمرأة.
ثالثًا: الزواج
66 % من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع أكدن أن الزواج قد تعقد بالنسبة للمرأة العصرية. ووصفت الدراسة ذلك بأنه حقيقة؛ فالزواج سابقًا كان أسهل بكثير من الوقت الحالي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المرأة القديمة كانت تنتظر الزواج فقط، وليس أي مستقبل آخر. لكن المرأة العصرية تفكر في تحقيق أمور كثيرة قبل الزواج كالدراسة والتخصص وبناء سيرة مهنية، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى فوات قطار الزواج عليها. علّق اختصاصيو الدراسة: «لذلك السبب هناك مجتمعات متقدمة تعيش فيها المرأة وحيدة مثل الرجل من دون أي رابط زواجي».
رابعًا: الاستقلالية
وصفت الدراسة استقلالية المرأة بأنها ضرورية جدًا؛ لأن ذلك يساعد الرجل على تحمل نفقات الحياة جنبًا إلى جنب مع امرأة عاملة. لكن ما يحدث هو أن نسبة كبيرة من الرجال مازالوا يرفضون الاستقلالية الكاملة للمرأة؛ وذلك لأسباب غريزية متأصلة فيهم حول دور المرأة الاجتماعي والعائلي. وأكدت الدراسة أن 59 % من النساء يعتبرن أن شرط المرأة لتحقيق الاستقلالية يعوق الزواج، بل ربما يجعله مستحيلاً في بعض المجتمعات، وبخاصة مجتمعات دول العالم الثالث.
خامسًا: معايير الجمال
بدأت المرأة العصرية تواجه، حسب تقدير الدراسة، منافسة قوية من حيث معايير الجمال. فقديمًا كان الجمال الطبيعي للمرأة هو المعيار الوحيد لتقديرها، ولكن الوضع تغيّر، حيث إن 63 % من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع أكدن أن الجمال الطبيعي للمرأة في العصر الحديث يأتي في المقام الثاني؛ لأن ما يلفت النظر أكثر هو الجمال المصطنع المتمثل في مواد التجميل وعمليات التجميل. فالمرأة غير القادرة على الجمع بين هذين العنصرين ينظر إليها على أنها مازالت متأخرة.
سادسًا: الحمل
رغم أن الحمل والإنجاب حاجة غريزية في المرأة، ولكن بعض مفاهيم العصر الحالي تمنعها من تحقيق هذا الحلم. فهناك نساء عصريات يعتقدن أن الحمل يشوه جمال المرأة، ويؤدي إلى ترهلها بسرعة، ولذلك فهن يفضلن عدم خوض هذه التجربة. لكن ذلك، طبقًا لـ75 % من آراء النساء اللواتي شملهن الاستطلاع، يعتمد على المفهوم الشخصي والفردي للمرأة. وأضافت آراء أخرى أن الأوضاع الاقتصادية المعقدة قد تمثل حاجزًا أمام الرغبة في إنجاب الأولاد.