توضح دراسة صادرة مؤخراً عن "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" أن "الروماتيزم" مرض يهدّد المصاب به بالإعاقة التامة بنسبة قد تصل إلى 90% من جسمه، وذلك في حال إهمال تشخيصه باكراً أو تقديم العلاج المناسب له. وتفيد أنّه لا يتعلّق بالعوامل الوراثية أو بمرحلة عمرية محدّدة، إذ أنه لا يميّز بين الطفل أو البالغ أو المسنّ. وإذ ما تزال الإصابة به مجهولة الأسباب، يرجّح أن العامل الرئيس المسؤول عن الإصابة هو اضطراب (خلل) يحدث في جهاز المناعة، ما يجعل هذا الأخير يهاجم أغشية المفاصل، تاركاً آثار تشوّهات واضحة على المفاصل. وقد يتسبّب في اعتلال الرئة والعينين والقلب والعظام.
"سيدتي" تطلع من الاستشاري في أمراض روماتيزم الأطفال والأستاذ المساعد لطب الأطفال بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمد مظفر على أبرز علامات وأعراض المرض وطرق تشخيصه والعلاجات الحديثة له.
يصيب الروماتيزم الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم، يسمّى بـ "الروماتيزم الطفولي"،
وينقسم إلى أنواع ثلاثة، حسب عدد المفاصل المصابة والأعراض العامة، وهي:
1 التهاب المفاصل قليل العدد: يصيب مفاصل أربعة أو أقل، وغالباً ما يستهدف مفصل الركبة والقدم، وينتشر في صفوف الإناث أكثر من الذكور، ويظهر في الفترة المتراوحة بين سنة وسنوات ثلاث، ويمثّل حوالي 50% من إجمالي أنواع التهابات المفاصل الروماتيزمية الطفولية، يصاحبه ظهور التهابات في العين في حوالي 20% من الحالات.
2 الالتهاب التعدّدي: يصيب مفاصل خمسة أو أكثر، ويشبه إلى حدّ ما التهاب المفاصل لدى البالغين، ويشمل مفاصل اليد الصغرى والركبة. وينتشر مع مرور الوقت في مفصل الورك والرقبة والكتف. يمثّل حوالي 40% من إجمالي أنواع التهابات الروماتيزم لدى الأطفال، وتكثر الإصابة به ابتداءً من سنّ الثالثة، وذلك في صفوف الإناث أكثر من الذكور. وقد تظهر أعراضه في صور عدة، أبرزها:
قصور واضح في الحركة، يرتبط في المفصل الملتهب.
تورّم وانتفاخ في المفصل الملتهب.
آلام تجعل المصاب عاجزاً عن تحريك المفصل الملتهب.
عدم قدرة الطفل على اللعب.
3 التهاب المفاصل الروماتيزمي الجهازي: يصيب أعداداً من المفاصل تفوق في مجموعها النوعين السابقين، وتصاحبه، فضلاً عن الألم في المفاصل، الأعراض التالية: ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة مرة إلى مرتين في اليوم تصاحبه آلام في جميع عضلات الجسم وطفح جلدي وتضخّم في الطحال والكبد، وتضخّم في الغدد الليمفاوية ووجود سوائل حول الرئتين والقلب والبطن، وعدم قدرة الطفل على ممارسة الأنشطة اليومية الأساسية (قضاء الحاجة على سبيل المثال)، علماً أنه عند عند زوال هذا الارتفاع في الحرارة يكون الطفل أكثر حركة وتقلّ شكواه من الآلام بشكل واضح، بالإضافة إلى الشحوب الشديد في الوجه والضعف العام.ويعدّ هذا النوع من أكثر أنواع التهابات المفاصل الروماتيزمية خطورة، ويمثّل حوالي 10% من إجمالي هذه الأنواع التي تصيب الأطفال.وينتشر بين الذكور والإناث على حدّ سواء.
تشخيص المرض
ويؤكّد د. المظفر على ضرورة إجراء مجموعة من الفحوص التي يحتاجها المريض قبل الشروع في بدء العلاج، أبرزها: معامل الروماتويد الذي يكون إيجابياً لدى من يعانون من التهاب في عدد كبير من المفاصل (التهاب المفاصل التعددي)، ويتشابه في ذلك الأطفال والكبار معاً. ويشير الخبراء إلى أن هذا المرض ذو طبيعة مدمّرة، وغالباً ما يصيب الأطفال في الثامنة من العمر أو قبل البلوغ مسبّباً آلاماً حادة وعجزاً.ويكون العامل الروماتويدي، بالمقابل، سالباً في الأنواع الأخرى.
وتشخّص أنواع التهاب المفاصل الروماتيزمية بأنواعها عبر الفحص الإكلينيكي واستبعاد الأمراض الأخرى، حيث أن هناك بعض الالتهابات المؤقتة التي تصيب المفاصل، أبرزها: التهاب المفاصل التفاعلي والذي يعقب الإصابة ببعض الالتهابات الفيروسية ولا يستمر إلا بصورة مؤقتة لا تتجاوز 6 أسابيع، ويتمّ تأكيد هذا التشخيص عن طريق عمل التحاليل الطبية والأشعة.
وإذ يفيد الباحثون أن هذا المرض ليس وراثياً أي لا ينتقل من الأبوين إلى الأبناء، يوضحون أن ثمة عوامل جينية لم يتم تحديدها على وجه الدقة حتى الوقت الحالي من شأنها زيادة فرص الإصابة، كالالتهابات الفيروسية التي قد تساهم في زيادة فرص الإصابة بالمرض لدى من لديهم استعداد جيني، حيث تتشارك العوامل البيئية والجينية في إصابة الأطفال بالالتهابات المفصلية المزمنة، علماً أنه في ظل وجود تلك العوامل الجينية يكون من النادر جداً أن يصاب أخوان من نفس العائلة بالمرض عينه.
وممّا لا شك فيه أن تطوّر المرض يتوقف على نوع الالتهاب وشدّته ونوعية العلاج المستخدم ومدّته. ويؤكد الأطباء أن التهاب المفصل يختلف من مريض إلى آخر، ويتدرج حسب مراحل المرض، إلى:
_ الالتهاب المؤقت: تكون أعراضه محدودة، وتنتهي بتناول العلاج المناسب لدى حوالي نصف المرضى.
_ الالتهاب النشط: يستمر لمدة طويلة، بينما تتحسّن أعراضه العضوية تدريجياً.
_الالتهاب المستمر: قد تؤدي هذه المرحلة إلى تدمير المفصل، وخصوصاً الغضاريف التي تساعد على تسهيل الحركة.
وتبدو تطورات المرض بوضوح لدى من يعانون من التهاب المفاصل المتعدّد، حيث يكون الروماتويد إيجابياً في دمهم، وقد ينتهي بالعجز الكامل لديهم!
وتفيد الدراسات الصادرة حديثاً عن منظمات وهيئات الصحة العالمية أن معدل الإصابة يتراوح ما بين 8 إلى 150 في صفوف كلّ 100 ألف طفل في العالم، والإناث ضعف الذكور. ومعلوم أن الحالات الشديدة من أمراض الطفولة تؤثر على النمو، ويجمع الباحثون على أن إصابة الأطفال بالروماتيزم تعود إلى رد فعل خاطئ من جهاز المناعة، ما يجعله يهاجم الغشاء المبطن للمفصل.
علاجات حديثة
يعتمد العلاج بصورة أولية على مضادات الالتهابات لتسكين الآلام، ولكن عدم استجابة المريض يجعل من الضروري إضافة بعض مضادات الالتهاب الكورتيزونية عن طريق الفم، خصوصاً إذا اشتد المرض وصاحبه ارتفاع كبير في درجة الحرارة. ويمكن استخدام تقنية الحقن المباشر للمفصل الملتهب، يليها علاج الميثوتركسات لمدة أشهر ثلاثة.
وتبدو العلاجات البيولوجية المضادة لعامل النخر التورمي مفيدة في حال عدم استجابة المريض للعلاجات الأولية السابقة. ويوضح د. مظفر، في هذا الإطار، أن هذا النوع من العلاجات والمسمى "اكتمرا" يسيطر على نشاط المرض ويساعد الطفل على ممارسة أنشطته اليومية بصورة طبيعية. وهو يفيد في حالة الالتهاب قليل العدد والتعددي، باستثناء النوع الجهازي المصاحب بارتفاع في درجة الحرارة والذي تكثر فيه مادة IL6 في الغشاء المفصلي الملتهب والدم، وهي المسؤولة عن ظهور أعراض ارتفاع درجة الحرارة والأنيميا.
نصائح للأمهات
ثمة علامات تكتشفها الأم من خلال ملاحظة طفلها أثناء قيامه بممارسة الأنشطة اليومية تؤشّر إلى احتمالية إصابته:
* في النوعين التعددي وقليل العدد:عرج بسيط في المشي، صعوبة في رفع الأشياء، الشكوى المستمرة من وجود ألم في المفاصل، صعوبة في حركة اليدين أثناء تناول وجبات الطعام، الانطوائية والانعزال بسبب عدم قدرته على اللعب مع أقرانه، ألم شديد ومبرح عند استخدام المفصل الملتهب، العجز عن الذهاب إلى المدرسة وأداء واجباته بصورة طبيعية.
* في النوع الجهازي: البكاء عند ملامسة المفصل الملتهب ويتجلّى هذا الأمر لدى من لم يبلغوا السنتين بعد عند تغيير الحفاضات، العجز عن الحركة والمشي بشكل طبيعي على الرغم من بلوغ السن المناسبة للحركة، عدم مبارحة مكانه لفترات طويلة نتيجة عجزه عن الحركة بصورة طبيعية.
ويجدر عند ملاحظة هذه الأعراض، سرعة استشارة طبيب الأطفال لتشخيص الحالة، مع التفهم أن فترة العلاج قد تطول وتستمر من أشهر عدة إلى سنوات!
بالأرقام...
تبلغ نسبة الأطفال السعوديين المصابين بالروماتيزم 250 ألف مصاب، حسب "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" و"منظمة الصحة العالمية". وتشير التقارير الطبية الصادرة عن "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" أنه لا يوجد اختلاف في السعودية عن سائر بلدان العالم لناحية الأنواع الأكثر انتشاراً من أمراض المفاصل الروماتيزمية الطفولية، حيث تبيّن أن التهاب المفاصل قليل العدد يعدّ أكثرها انتشاراً بين الأطفال السعوديين بنسبة تقدّر بحوالي 50% من إجمالي أنواع التهاب المفاصل الروماتيزمية الطفولية، يليه التهاب المفاصل التعدّدي بنسبة 40%، فالتهاب المفاصل الروماتيزمي الجهازي الذي تقدّر نسبته بنحو 10%.