تنسج دول آسيا كثيراً من الأساطير والحكايا حولها، وتؤهّلها معالمها لحجز مكانة متقدّمة بين المواقع الأكثر جذباً للسياحة في العالم، لما تحضنه من مشاهد خلابة وطبيعة فاتنة وتنوّع في عاداتها وثقافاتها، حيث يمتزج فيها الشرق بالغرب، علماً أنّه قيل في وصفها: "تشدهك وأنت بين أحضانها، وتأسرك وأنت بعيد عنها".
وفي إحدى تلك البقاع، حلّقت "سيدتي" بعيداً بدعوة من مجلس "هونغ كونغ" للسياحة، على متن إحدى طائرات شركة "كاثي باسيفيك" الناقل الرسمي للاحتفالات، في "أرض الأحلام والخيال والجمال"، للاحتفال بالسنة الجديدة، ليس بالطبع السنة الميلاديّة بل بسنة التنين الجديدة!
أخذت أقلّب الدعوة، واعتبرتها محفّزة لي لأشهد على مناسبة عظيمة بطقوسها وعاداتها وغرابتها، واستعددت عبر البحث أكثر عن "هونغ كونغ"، فأكثر ما يزعجني في هذا النوع من هذه الرحلات يكمن في عنصر المفاجأة الذي كثيراً ما أحاول تجنّبه، فأعددت نفسي وتسلّحت، حسب ظني، بما يفوق تلك البلدان، لكن ثمة من همس إليّ في داخلي فجأة ونصحني بأن أحضّر حقيبتي... بدون داعٍ للتفكير والقلق!
وصلت "مطار هونغ كونغ الدولي" عند الرابعة فجراً، وكان الجو بارداً...وكطفلة تبحث عن دفء أمها، تمنيت بزوغ الشمس! وفي الطريق إلى مكان إقامتي في "فندق مندرين أورينتل"، كانت زخات المطر ترسم على زجاج السيارة ما لم أبحث عنه قبل قدومي إلى هنا، إلا أن سائق السيارة ربما لاحظ على ملامح وجهي شيئاً ما، فطمأنني بأنّ الجو سوف يميل نحو الدفء. لكن، يبدو أنني في الصباح قد تناسيت أو بالأحرى نسيت الحال التي كنت فيها، فالشمس لم تشرق. لست أدري، فلا مجال للنظر إلى أعلى، فما هو أمامي يكفي ناظريّ لحين، خصوصاً أن "الفندق" يقع في أكثر المناطق حركة، ويعجّ بالمراكز التجارية وجلبة الناس والمطاعم، وجمال الجزيرة وسحرها يجعلا زائرها يعجب لقدرة مواءمة إنسان هذه البلاد بين الطبيعة وانفعالات التطور الصناعي والعلمي.
الجزيرة الساحرة
و"هونغ كونغ" هي إحدى المناطق الإداريّة التابعة ل "جمهوريّة الصين الشعبيّة"، إلا أنّها على الرغم من ذلك، تشارك في الأحداث الدوليّة تحت الاسم المستقل "هونغ كونغ الصين". يقطنها 7 ملايين نسمة، وهي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانيّة في العالم. وتشمل منطقة "هونغ كونغ" كلاً من: "جزيرة هونغ كونغ" و"كولون"، والأراضي الجديدة. وترتبط شبه جزيرة "كولون" بالأراضي الجديدة في الشمال، التي تتصل بأراضي البر الصيني عبر نهر "تشان تشون". ويبلغ عدد الجزر في "هونغ كونغ" 236 جزيرة، تقع كلّها في بحر الصين الجنوبي، وتعتبر جزيرة "لانتو" الأكبر، تليها "جزيرة هونغ كونغ" الأولى لناحية عدد السكان.
وقد كانت "هونغ كونغ" السبب في انتشار الثقافة الصينيّة الشعبيّة في العالم، بفضل الأفلام والموسيقى المحليّة والكتب والمجلات، تنشط فيها فرق عدة تقدّم عروضاً للفنون الشعبيّة الصينيّة، وبها العديد من الـشبكات المتخصّصة في بيع المقتنيات والتحف الفنيّة.
عناوين هامة
_"ترام السماء" The Peak Tram Sky Pass: يعدّ أحد أهم معالم "هونغ كونغ"، يوصل راكبه إلى أعلى قمة جبل في هذه الجزيرة أي "فيكتوريا بيك"، فهو قطار معلّق، يتيح فرصة رؤية المدينة تدريجياً من الأعلى، ويمنح فرصة للتفكير في ما ستفعله في أيام إجازتك في "هونغ كونغ".
_"جزيرة لانتاو": وهي الجزيرة المحيطة لمعقل الكيبل الكبير.
_ "تمثال بوذا العملاق" يتربّع على أعلى قمة جبل في الجزيرة.
_"أبرين مارينا": منطقة خاصة باليخوت.
_"مركز التجارة العالمي": يسمح الصعود إلى الطبقات العليا فوق المائة الاستمتاع بفرصة استكشاف "هونغ كونغ" من ارتفاع 450 متراً.
_معبد "تين هاو": يقبع في قرية "لاتسوين تاي يو"، بني منذ أكثر من 700 سنة، ويزوره عادة السكان القريبون أو راغبو الحج البوذيون في العام الجديد.
_"شارع هوليوود": يعدّ الأكثر تميّزاً في "هونغ كونغ"، يضمّ عدداً من المحال التي تبيع التحف الفنيّة باهظة الثمن و"الأنتيك" المميّز المتوفّر بأسعار أفضل مقارنة مع أسواق العالم.
أنشطة "عيد التنين"
في سنة التنين تحديداً التي توافق السنة الحالية، تنظّم المهرجانات والفعاليات التي يسرّ السائح بالمشاركة فيها، أبرزها:
• سوق الأزهار: تقضي الطقوس في "هونج كونغ" بذهاب غالبيّة السكان إلى "سوق الأزهار" Victoria Park Flower Marke، في منطقة "كولون" الشعبيّة الشهيرة للاستعداد للعام الجديد، حيث تباع المنتجات المحليّة والتراثيّة. ولعلّ أكثر ما يحرص المواطنون على شرائه يكمن في بعض الأزهار بمواصفات خاصة، ظناً منهم بأنّها تجلب الحظ والخصوبة للعام الجديد.
• زيارة قرية "لام تسيويم تاي" Lam Tsuenm Tai Po: من الأسواق الجديدة التي يجتمع فيها كل من ولدوا في نفس تاريخ العام الجديد، وفي نفس المكان توجد "شجرة الأماني" Hong Kong Well-Wishing Festivalالتي يدوّن عليها كل زائر أمنياته، ويقذف بها مع حبة الماندرين البرتقاليّة إلى أن تعلق على أحد فروع الشجرة وتثبت، والأقرب إلى التحقّق هي الأقرب إلى السماء، كما يعتقدون!
• "نادي الجوكي": خاص بسباق الخيول، يعتبر المراهنون زيارته من العادات الهامة تفاؤلاً بالعام الجديد!
• الحافلة الحمراء: حافلة شهيرة مفتوحة السقف، يمكن عند ركوبها، الاستمتاع برؤية المباني تعانق السحب والغيوم.
• "سوق ستنالي": تعتبر من أهم أسواق المقاطعة الجنوبيّة، تقع في منطقة "ستانلي" المعروفة. وللتسوّق هنا نكهة خاصة، إذ تشتهر ببيع الملابس والمنتجات المقلّدة وتلك المحلية التراثيّة، بالإضافة إلى الأدوات والأجهزة الكهربائيّة والتحف والقطع الأثرية و"الأنتيك" واللوحات.
• "سوق النساء" Ladies market: ملاذ التسوّق المميز في رحلة "هونج كونغ"، حيث يجد السائح كلّ ما يمكن تخيّله على امتداد شارع يزخر بالمنتجات المحلية والحقائب والملابس وأغراض عدّة من الماركات المقلّدة، الجيد منها و الرديء، وصولاً إلى التحف والمعدّات والأدوات المنزلية. ويمكن دخول بعض محال الطب الشعبي للتعرّف أكثر على الثقافة الصينية في هذا العالم، علماً أن التداوي لا يقتصر على الأعشاب، بل يمتدّ نحو الحيوانات والزواحف المجفّفة كذلك!
• المراكب الشراعية (كوالونا): يمكن التمتّع بواحد من أجمل الرحلات الرومانسيّة التي ننصح بها، في ظلال الأنوار التي تتراقص على واجهات المباني وأسطحها، تضيئها بحرفيّة وإبهار.
• "العربة المعلّقة"Npong Ping 360 Cable Car : يدفع ركوبها إلى حبس الأنفاس من شدّة الرهبة والارتفاع وجمال الطبيعة المحيطة بالجزيرة من شمال "لانتاو" وجنوب "بحر الصين"، حتى تصل إلى قرية "نيجونج بينج" Ngong Ping Village الغنية بالتراث والتفاصيل الصينيّة العريقة.
طعام بنكهات العالم
ليس من السهل التعوّد سريعاً على طبيعة وأسلوب ومكوّنات الأطعمة الموجودة وتحديداً في دول آسيا، ما دفع مجلس السياحة في "هونغ كونغ" أن يحرص على أن تكون هناك مطاعم تقدّم الأكل الشرقي، خصوصاً المذبوح وفق الطريقة الإسلامية. وتشمل المطاعم التي تقدّم الطعام الحلال:
_ مطعم ومقهى "حبيبي"Habibi : يعدّ المطعم المصري الأشهر هناك، ويقع في "لانكاوي فونج"، يوحي تصميمه العربي جداً بالحميميّة.
_ مطعم "بيور فيجي" Pure Veggie House: يقدّم الأكل الصيني الصحي، ويقع في شارع "الجاردن".
_ مطعم "جومبو" أو "توب دك" Top Deck: يقدم الأكل الآسيوي، في ظلّ ديكور يسمح بالجلوس بين اليخوت عند المرسى، علماً أن شخصيات عالميّة تعتبره المفضّل لدى زيارتها "هونغ كونغ".
_ مطعم "جاشان" Jashan Celebrating Indian: يقدم الأكل الهندي والحلال، في حضور مؤدٍ للأغنيات الهنديّة والعربيّة.
مراكز تجاريّة ينصح بها
تعدّ تجربة التسوّق في "هونغ كونغ" هي الأكثر تميّزاً هناك، فللمراكز التجارية نكهة مختلفة جديرة بالتجربة، وذلك لفخامتها وكبرها، والأهم اتصالها ببعضها البعض من خلال جسور معلّقة أو أرضية، حتى يكاد مرتادها لا يشعر أنّه دخل مركزاً وخرج من آخر. ولمعرفة أين أنت، ثمة أجهزة الرد الآلي وشاشات الكومبيوتر الناطقة التي تساعد في تحديد مكانك، وترسم خريطة للمكان الذي تنوي التوجّه إليه. وتكثر العروض ضمن هذه المراكز التي تفتح أبوابها من العاشرة صباحاً وحتى السابعة أو التاسعة مساءً حسب المركز والحي.
وهذه لمحة بأبرزها:
- "لاند مارك" Land Mark.
- "جاليريا بناية الأمير".
مركز تسوق "آي أف سي".
في الموازاة، تجدر نصيحة زائر هذه البقعة من العالم بأنه في الأسواق الشعبية، لا يمكن الشراء فوراً، فأياً كان فالسعر يبدأ برقم وينتهي بعد المساومة بآخر!
ـ خصّص الناقل الرسمي لمهرجانات عام التنين "كاثي باسيفك"، برعاية مجلس السياحة في "هونغ كونغ"، مهرجاناً خاصاً بالمشاركة مع الشركات المساهمة والراعية لاحتفالات وكرنفال رأس السنة، تميّز بالأجواء الكرنفاليّة المفعمة بالأضواء والألعاب الناريّة والاستعراضات التراثيّة لكل البلدان المشاركة فيه.
ـ استطاعت "هونغ كونغ" في عامها الجديد دخول موسوعة "غينس" للأرقام القياسية، من خلال الألعاب الناريّة والأضواء المصاحبة لها كأطول مدّة تحقّقها مثل هذه الألعاب بدون انقطاع!
ـ أعلنت هيئة السياحة في "هونغ كونغ" أنّ نسبة السياحة لسنة 2011 فاقت كل الأعوام السابقة، حيث وصل عدد السيّاح إلى نحو 42 مليون سائح.