مهما تعدّدت زياراتك لألمانيا، فإن الصورة الواضحة عن هذا البلد العريق لا يمكن أن تكتمل سوى بزيارة العاصمة المتميّزة "برلين"، وهذا ما تحقّق لنا حين تلقّت "سيدتي" دعوة من قبل "طيران برلين" وفندق "ريتز كارلتون" وهيئة Visit Berlin ومجموعة مشافي "فيفانتس" للمشاركة في رحلة وفد إعلامي إلى هناك والتعرّف إلى تلك المدينة الخلاّبة التي تستحقّ لقب "العاصمة العالمية"، بامتياز!
منذ احتضننا مطار دبي الدولي، لاحظنا مدى العناية التي أعدّت للوفد من قبل الجهات الداعية، وبالتالي فقد غمرنا الدلال منذ اللحظة الأولى، فكان الاهتمام كبيراً من فريق الضيافة على طائرة "طيران برلين". وكان الاستقبال الذي أعدّه "فندق ريتز كارلتون" حافلاً، حيث نقلنا بسيارات "الليموزين" من المطار لحظة وصولنا إلى برنامج مجموعة مشافي "فيفانتس" السخي والدقيق والمرسوم بعناية، ناهيك عمّا قدّمته "هيئة سياحة برلين" التي أثبتت خلال فترة قصيرة طول باعها في صناعة السياحة حيث وضعت برلين حالياً على قدم المساواة مع "لندن" و"باريس".
الانطباع الأوّل الذي يترسّخ في الذاكرة حين تشاهد "برلين"، يشبه رؤيتك لـ "ماكيت" مدينة صمّمها مهندس بارع حيث البيوت موزّعة بأشكال هندسية بديعة تتجمّع حيناً وتنفصل حيناً حتى تخالها حروفاً لغوية تكتب قصّة هذه المدينة التي خرجت من تحت الرماد مثل طائر الفينيق، تلك القصة التي تلوّن ما بين سطورها بالغابات والأنهار والبحيرات، فشكّلت لوحة ساحرة تزيّنها أبيات شعر تقبض على ألحانها من ذاتها!
برلين الكبرى
تقع "برلين" في شرق ألمانيا على بعد نحو 70 كيلومتراً غرب الحدود مع "بولندا"، بين سهول "بارنيم" و"تيلتوف"، ويخترق نهر "سبري" Spree وسط المدينة التاريخي، ليصبّ في نهر "الهافل" غرب المدينة الذي يُشكّل بدوره بحيرة "تيغيل" وبحيرة "الفان" الكبيرة. ويذكر أن "برلين" تشكّلت من اندماج مستوطنتي "كولن" التي تقع حالياً في جزيرة المتاحف و"برلين" التي تقع على الضفة الشمالية لنهر "سبري"، وذلك في القرن الثالث عشر الميلادي.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قسمت "برلين" إلى قطاعات أربعة، وفي الثالث عشر من أغسطس (آب) 1961، قرّرت "جمهورية ألمانيا الديمقراطية" تشييد سور حول المدينة لمنع المقيمين في المناطق الخاضعة لها من الانتقال إلى المناطق الألمانية الأخرى، وقد أطلق على ذلك السور تسمية "جدار برلين". ومذّاك، أصبح مستحيلاً على المقيمين في "برلين الشرقية" زيارة أقربائهم أو أصدقائهم القاطنين في "ألمانيا الغربية"، فتعالت في حينها الكثير من الأصوات المناهضة لإنشاء الجدار إلى أن سمحت "حكومة ألمانيا الديمقراطية" بإدخال برنامج محدود لمنح الإذن بالسفر، وباتت منطقة الانتظار الفسيحة في محطة القطار الرئيسة تعرف باسم "قصر الدموع".
وفي عام 1989، تمّ هدم جدار برلين وأعيد توحيد ألمانيا في الثالث من أكتوبر 1990، واختيرت "برلين" لتكون عاصمة "جمهورية ألمانيا الاتحادية"، وأصبحت من جديد مقراً للحكومة الفيدرالية ومركز السياسة الألمانية.
مدينة الرعاية الصحية
زيارتنا التي استغرقت أياماً عدّة كانت مكثّفة للغاية، فالتعرّف إلى معالم "برلين" يحتاج إلى أكثر من شهر لمجرّد الإلمام بها، فهي مدينة عملاقة تضمّ بين جنباتها النشاطات المختلفة والأماكن الرائعة التي تستحقّ الزيارة والاستمتاع بها. لذا، اقتصرت جولاتنا على عدد من أماكن اختيرت بعناية لكي تقدّم لنا صورة مبسّطة ومتنوّعة عن "برلين"، حيث قمنا في البداية بجولة في "فندق ريتز كارلتون" الراقي، ثم التقينا على عشاء فاخر عدداً من مسؤولي الصف الأول في الجهات الداعية، بينما خصّص اليوم التالي لجولة في أقسام أهم مشفى من مشافي مجموعة "فيفانتس" الطبية التي يبلغ عددها 9 مشافٍ في المدينة، وتضاهي تجهيزاتها فنادق النجوم الخمس. وهناك، التقينا عدداً من الأساتذة الأطباء الذين يشرفون على تقديم أفضل العلاجات والجراحات المختلفة في ذلك المبنى الفخم، المجهّز بأحدث المعدّات والكوادر الفنية والطبية، حيث قدّموا لنا شروحات وافية عمّا توصّل إليه هذا المركز المتطوّر في علاجات السرطانات والجراحات المختلفة، وكذلك البرامج الناجحة في التخسيس والعناية بالجمال...
اكتشاف المعالم تحت الضباب
كان لنا موعد، في اليوم التالي، مع الضباب الذي غمر المدينة منذ الصباح ما أعطانا إحساساً غريباً بسحر الطبيعة والهدوء، وشملت جولتنا بوّابة "براندنبورغ" و"مبنى المستشارية"، وهما معلمان يحكيان حكاية أمّة بأكملها إذ تتناغم المباني التاريخية هناك مع المباني الحديثة. كما زرنا "ساحة بوتسدام" و"شارع كور فور ستيندام" التجاري الشهير بالماركات العالمية و"جادة أونتر دين ليندين" التاريخية و"شارع فريديش شتراسة" اللذين يعجّان بالمحلات التجارية المغرية للتبضّع. وزرنا أيضاً مركز "سوني" ذائع الصيت الذي يقام فيه "مهرجان برلين السينمائي الدولي"، كما عبرنا بالبرج التلفزيوني العملاق الشهير الذي يرتفع إلى 368 متراً، وشاهدنا العديد من الحدائق الغنّاء، وإحدى حديقتي الحيوانات اللتين تشتهر بهما "برلين"، ثم إلى عدد من قصور المدينة التاريخية التسعة، ومنها قصر "شارلوتنبورغ وكوبنيك".
في هذه الجولة وأينما اتّجهنا، كانت ترافقنا بقايا جدار برلين الذي تحوّل إلى ما يشبه رمزاً للحرية، بعد أن كان يرمز إلى ما يشبه السجن الكبير.
أمّا اليوم التالي فقد خصّص لزيارة "نادي أسبيرا للسباحة واللياقة البدنية" الواقع في مركز المدينة ويعدّ من أهم مراكز العناية بالجسم إذ يضمّ غرفاً للإقامة، وعدداً من الصالات الرياضية لممارسة اللياقة البدنية بإشراف متخصّصين وأطباء، وكذلك مركز للأطفال وآخر لليوغا.
وفي المساء، كان موعدنا مع عشاء فاخر في "مطعم لاكانتينا" بصحبة مسؤولي "فيزت برلين" Visit Berlin الذين غمرونا بلطفهم ومودّتهم، وقدّموا لنا شرحاً مفصّلاً عن المستوى الراقي الذي وصلت إليه "برلين" على الصعيد السياحي حتى باتت من أهم مدن أوروبا في هذا المجال، خصوصاً أنها مدينة عالمية تضمّ أكثر من 180 جنسية مختلفة، وفيها 742 فندقاً ارتادها العام الماضي نحو 9 ملايين سائح!
ليالي السمر
حياة الليل في "برلين" لمن يحب السهر تلبّي كل ما يتمنّاه مهما كان ذوقه، فالمدينة لا تنام، فإلى جانب النوادي والمسارح، تزخر الشوارع بألوان الموسيقى والعروض الفنيّة التي تناسب جميع الأعمار ومختلف الطبقات الاجتماعية. ولا تعرف "برلين" الإغلاق، فهي تضمن لزائرها أنساً حتى ساعات الصباح الأولى!
متاحف بالجملة
آخر أيام زيارتنا خصّصناه لزيارة بعض المتاحف التي يبلغ عددها 175 متحفاً، إضافة إلى ثلاث دور أوبرا معروفة عالمياً، ولعلّ أكثر ما لفت نظرنا "المتحف التاريخي" الذي يضمّ بوابات من عصور عدّة، من أهمها "بوابة عشتار" واللقى الرائعة والرقم العتيقة من الحضارتين السورية والبابلية.
في المساء، ودّعنا مستضيفونا في "الفندق" و"هيئة سياحة برلين" ومجموعة مشافي "فيفانتس" بمثل الحفاوة التي استقبلونا بها، متمنين علينا أن نعيد الزيارة لأن ما شاهدناه في "برلين" مجرّد غيض من فيض.