في «تايلند»، لا يمكن أن يكون وصول السائح عادياً، إذ يجد غالباً من يبتسم له ويضمّ يديه معاً أمام صدره وينحني أمامه، خافضاً ركبتيه قليلاً، قائلاً: «سوا دي خا»، وهي التحية المتعارف عليها هناك. وحتى عند هبوط الطائرة، تكرّر المضيفات هذه الحركة مع كل راكب عند الباب.
«سيدتي» تلقّت دعوة من «هيئة تنشيط السياحة التايلندية» و«فندق أماري بوكيت» و«أماري بانكوك»، لتكون ضمن الفريق الصحافي الذي يتعرّف على معالم «تايلند» السياحية وعوامل الجذب الكثيرة فيها. وبين «بوكيت» الساحرة و«بانكوك» الآسرة، كانت رحلتنا التي نوجزها في السطور التالية:
هبطنا مطار «بانكوك» عند السادسة صباحاً، فيما خيوط الشمس الأولى تلقي بسحرها على المكان، فتنعكس على المسطّحات المائية المستوية التي تبدو من الطائرة كخزّانات مياه عملاقة، لنعرف في ما بعد أنها حقول الأرز التي تكثر في «بانكوك». وإذ أثار استغرابنا طغيان اللون البنفسجي على كل شيء في المطار بدءاً من ألوان الطائرات المحلية ووصولاً إلى زي الموظفين، عرفنا في ما بعد من دليلنا الذي كان في انتظارنا أن لهذا اللون أهمية شعبية خاصة، فهو لون زهرة محليّة ترمز للمدينة.
وإذ لم نغادر مطار «بانكوك» الدولي، بل توجّهنا في طائرة أخرى إلى جزيرة «بوكيت» التي تبعد ساعة وخمس دقائق عن العاصمة، بهرتنا تلك «المدينة العائمة» بين الصخور منذ اللحظة الأولى، وكانت مياه الأمطار قد تجمّعت بكميّات هائلة مشكّلة بحيرات ضخمة. وبدأ الدليل السياحي يحدّثنا عن «تايلند» وصناعاتها وعلى رأسها السياحة حيث تشكّل 60% من العائدات، وهناك كذلك استخراج المطاط حيث يتم تصديره إلى الولايات المتحدة ليعود إليهم وقد كتب عليه «صنع في أميركا»، معلّقاً بابتسامة: «حتى ثمار الأناناس يأخذها الأميركيون، يعبّئونها في علب ويعيدونها إلينا وقد كتب عليها صنع في أميركا!».
«أماري كورال بيتش بوكيت»
مكان إقامتنا في «بوكيت» كان في داخل «فندق أماري كورال بيتش» الذي يبعد ساعة عن المطار. وفي قاعة الاستقبال، تمّ الترحيب بنا على الطريقة المحلية وتوجّهت إلينا المضيفات بلباسهن الفولكلوري وتحيّتهن التقليدية، وقدّمن لنا شراب مغلي أوراق الليمون والنعناع. ويبدو الفندق مكاناً رائعاً يشعر نزيله وكأنه في قلب هضبة خضراء تحوطها الأشجار! وعندما دخلنا قلب تلك الأكمة، كان البحر في مواجهتنا حيث مطاعم الفندق وكذلك «الشاليهات» المخصّصة لإقامتنا، ومن هناك بدا المنظر رائعاً: البحر على بعد أمتار قليلة من شرفاتنا وعلى مدّ النظر يظهر مزيج عجيب من المحيط والشجر والصخر.
منتجعات و«سبا»
بعد الغداء، توجّهنا إلى منتجع «سوكو» الصحي، وهناك بدأت تجربتنا مع التدليك التايلندي الشهير فعشنا ساعتين كاملتين من الاسترخاء، لنعود بعدها سريعاً إلى غرفنا في «أماري» لتجهيز أنفسنا والتوجّه إلى منتجع «سري بانوا» الذي يمتاز بناديه الصحي الذي يقع في مكان شاهق. وكانت أحواض السباحة تمتدّ فوق سطح المنتجع حيث تبدو المدينة في الأسفل متلألئة وساحرة! وتناولنا عشاءنا في مطعم «سري بانوا» والذي كان عبارة عن مزيج من أطباق المطابخ الإيطالية واليابانية والتايلندية، ففي «تايلند» تستطيع أن تجد كل المطابخ في مكان واحد!
«فيفي أيلاند»
عند الثامنة والنصف من صباح اليوم الثاني، قصدنا الشاطئ لقضاء جولة في اليخت السريع «آسيان دولفين»، وهي جولات معتادة للسياح للتمتّع بالشاطئ الذي تحوطه الجبال وتنتشر عبره. وقبل أن نصعد اليخت، استلقينا على الكراسي الخشبية قبالة البحر وشربنا عصير جوز الهند الأخضر، وكان ألذّ مشروب تايلندي بامتياز، حيث يقدّم بارداً بعد أن يقطع رأس الثمرة وتوضع قشّة بوسطها. وبدأت رحلتنا نحو جزيرة «فيفي ايلاند»، لينطلق اليخت بسرعة مذهلة مشكّلاً قوساً من رذاذ الماء خلفنا، ووجدنا أنفسنا نتمسّك بشدّة بالحواف ونحن نتابع مذهولين الجبال الصخرية المنتشرة في الماء أمامنا مشكّلة لوحات مذهلة، فثمة صخور ثلاث على مرمى نظرنا تبدو كرجل وامرأة وطفل، وأخرى كامرأة هاربة... كانت الأشكال لانهائية، وكل جبل صخري يرسم لوحة بحدّ ذاته، فقد نمت الأشجار فوق الكتل الصخرية بشكل كثيف، لتصبح المنطقة مقصداً للمشاهير، فهنا قام جيمس بوند بتصوير أحد أفلامه. ولم تكن تلك الكتل الصخرية الهائلة المنتصبة بشكل شاقولي، تتيح للناس السكن فوقها، لكنهم لم يعدموا الحيلة فقد تناثرت بيوتهم الخشبية حول الجزيرة في الماء، وانتشرت بعض المنتجعات والمطاعم في التجاويف التي أحدثها البحر عند قاعدة الصخور. ووصلنا جزيرة «فيفي أيلاند»، وعند مدخلها رأينا مصيدة الأسماك العملاقة حيث تستخرج الأسماك العالقة بالشباك وتطبخ طازجة في المطعم الكبير أمام الزوّار.
«القرية الإسلامية»
بعد الغداء جلنا في السوق الشعبية قرب المطعم، ولكن دليلنا نصحنا ألا نشتري من هناك نظراً إلى ارتفاع الأسعار، ثم ما لبث أن توجّه بنا إلى «القرية الإسلامية» خلف السوق في الجهة الأخرى، وبدأت تظهر أمامنا بيوت فقيرة مبنية في مياه البحر على أعمدة خشبية تمّ ربطها بالصخور، فالجزيرة صخرية شديدة الانحدار. وقد بنى القرويون بيوتهم قربها، وأقاموا سوقاً تجاريةً شعبيةً لجذب السياح لبيع بضائعهم الرخيصة، وراح السياح يتجوّلون في القرية وكأنهم يحضرون أحد برامج تلفزيون الواقع حيث تخلّى القرويون عن خصوصيتهم وشرّعوا أبواب منازلهم ليكونوا معرضاً بشرياً للزوّار: ثمة امرأة عجوز نائمة وبابها مفتوح، وأسرة تتناول طعامها عند باب المنزل. ولعلّ الغريب أنه حتى لو أغلقت الأبواب فلن يعدم السياح وسيلة لرؤية أهالي القرية، فالجدران المتهالكة تكشف أكثر ممّا تخفي! وعلى مسافة قريبة، كانت مدرسة القرية الابتدائية حيث يتلقّى الأطفال دروسهم والأبواب مشرعة والسياح يراقبونهم ويلتقطون لهم الصور بل أحياناً يسيرون بينهم، ولأن الأطفال اعتادوا الأمر، لم يكترثوا لوجودنا وكانت أعينهم معلقة بالمعلمة التي كانت بدورها تشرح الدرس بصوت مرتفع وتصوّب أخطاء تلامذتها، لنشعر لوهلة أننا غير مرئيين!
قرية «سيام نيرميت»
محطتنا الثانية في المساء كانت قرية «سيام نيرميت» التراثية حيث الصناعات اليدوية والأدوات التقليدية المستخدمة لدى الأهالي وكثير من الأكلات الشعبية والحرف اليدوية والقوارب الخشبية التي تسير في القناة محمّلة بأكوام من الزهور! وكان ثمة فرق ترقص واحتفالات وفيلة تتحرّك بين السيّاح. وبعد تناولنا العشاء في مطعم القرية والذي يحمل الاسم عينه ويحوي «بوفيه عالمي» يشمل أطباقاً تنتمي إلى كل المطابخ، توجّهنا إلى مسرح القرية وحضرنا العرض المسرحي الموسيقي الضخم، وقد شاركت أعداد ضخمة من المخلوقات... فقد كان هناك ماعز وكلاب وفيلة ودجاج، كلّها صعدت المسرح ومثّلت أدواراً. ولم يسمح لنا بتصوير العرض، وكأنهم يريدون أن يجعلوا هذه المتعة حكراً على من يدخل المكان!
«فندق أماري بانكوك»
عدنا إلى بانكوك في اليوم الثالث وكان طابع المدن الكبرى يظهر عليها جلياً، بشوارعها الواسعة النظيفة وجسورها وازدحامها... وصلنا فندق «أماري بانكوك» الذي يقع في وسط مراكز التسوّق، وتمّ استقبالنا بعصير البرتقال وأكاليل الورد المجدولة. الفندق ضخم، يمتاز بقاعاته الواسعة وإطلالته الباهرة، وكانت غرفه وأجنحته «الدولكس» و«الغراند دولكس» الـ 569 تطلّ كلّها على مشهد بانورامي للعاصمة التايلندية، علماً أنّ مساحتها كبيرة لا تقلّ عن 40 متراً مربعاً. وفي الأسفل، كان يظهر المسبح الضخم من الطبقات العلوية محاطاً بالأشجار. وكانت نوافذ الغرف واسعة وممتدّة على كامل الجدار تتيح مشاهدة المدينة كاملة من أرجاء الغرفة كافّة. أمّا الطبقات الأربع الأخيرة فهي الأجمل، ومن هناك في الأعلى يشعر الزائر أنه يشاهد «بانكوك» بكل ألقها!
رحلة نهرية
استهلّت جولاتنا في العاصمة برحلة نهرية هادئة عند المساء على سطح مركب عملاق، وصدحت الموسيقى عالياً عند دخولنا في ظلّ استقبالنا من قبل طاقم السفينة في زيّه الرسمي، فيما كان يتم التحضير لحفل ضخم على السطح. وانطلق المركب بهدوء عابراً النهر الذي كانت تمتدّ على جانبيه المعابد الفارهة التي سنزورها عند الصباح، وكان طرازها المعماري المذهل يثير تساؤلنا ويحفّز عدسات كاميراتنا لالتقاط المزيد من الصور.
صروح «بانكوك»
وعند ولوج صروح «بانكوك» وقصورها، تشعر للوهلة الأولى أنك تدخل مغارة الكنوز ومدن الأحلام، وتزيد أشعة الصباح من بريق الذهب والأحجار الملوّنة، وتبرز الأعمدة المذهّبة الضخمة وواجهات القصور، وكلّها كانت مشغولة بحرفية عالية وتبرق، وكأنّ بها أعداداً لا تُحصى من السبائك والأحجار الكريمة. وعلى مقربة من المعابد، بدأنا تجريب الزي الفولكلوري وارتدينا تلك الأثواب المزخرفة ووضعنا فوق رؤوسنا تلك التيجان!
عبر النهر إلى «ماما أميتا»
في يومنا الأخير، كان علينا الانطلاق عبر النهر لتناول غدائنا، والمفارقة أن النهر الذي شطر المدينة، فصل كذلك فقراءها عن أثريائها، فعلى الضفة اليمنى تمتدّ القصور الفارهة والمعابد بكل زينتها وفخامتها، بينما تضمّ الضفة المقابلة أكواخ الفقراء الخشبية حيت ينتشر الغسيل ويتناثر الأثاث قرب النهر الذي يعرّي الأعمدة الخشبية التي تسند منازلهم.
وأخيراً، بلغنا مطعمنا وفيه تناولنا ألذّ وجبة في «تايلند» وعشنا تجربة فريدة، فنحن من قمنا بإعداد طعامنا، وقطفنا الخضراوات والفاكهة بأنفسنا، وكذلك أطعمنا الطيور!
كانت «ماما أميتا» في استقبالنا بملامحها الآسيوية الرقيقة، وهي امرأة صلبة في الخمسين من عمرها ترتدي مئزراً أبيض وتجدل شعرها إلى الخلف. رحّبت بنا بحفاوة، كأننا نزورها في منزلها وبدأت تعرّفنا إلى حديقتها وحيواناتها وطيورها وقدّمت لنا شراباً محلياً حلواً وطبقاً غريباً من الزهور المقلية، لتقودنا بعدها إلى مطبخها.
كان علينا إعداد طعامنا بأنفسنا، فماما أميتا ومنذ أن افتتحت منزلها الواقع على حافة النهر للسياح أصبحت تعلّم الطبخ للأجانب ودائماً لديها طلاب وهي تشرف على ضيوفها أثناء إعداد الوجبة وتساعدهم وطالباتها.
التسوّق في «بانكوك»
لا تستقيم زيارة «بانكوك» بدون دخول أسواقها، فإضافة إلى صناعاتها المحلية الرخيصة تنتشر الحقائب الجلدية والنظارات الشمسية المقلّدة بحرفيّة والتي تحمل اسم أرقى العلامات التجارية العالمية! ففي «بانكوك» يقلّدون كل شيء، وتستطيع في بعض الأسواق الشعبية وبعد مساومة الباعة الحصول على حقيبة مقابل 50 دولاراً أميركياً بالكاد لا يمكن تمييزها عن الأصلية التي يتجاوز سعرها الـ 2500 دولار!