لا زال علماء النفس والتربية يصرون على أن تربية الطفل تختلف تماماً عن رعايته، ففي الوقت الذي تنحصر فيه رعاية الطفل في توفير الغذاء له وكذلك النظافة الشخصية، وتقديم الرعاية الصحية، فالتربية تعني أن تقدمي للمجتمع إنساناً صحياً خالياً من العقد النفسية، ولديه شخصية متزنة وقويمة وقادرة على التعامل مع الآخرين، والتفاعل والتواصل مع المجتمع الذي سيكون جزءاً فعالاً فيه وليس عالة عليه.
يجب على الأم أن تهتم في بداية تربية الطفل وضمن خطوات تربوية حديثة وهامة وفعالة أن يتعلم الطفل التعبير عن مشاعره، وهذا التعبير يعتبر فناً يحتاج إلى اتقان؛ لأن الطفل حين يصل إلى ذروة النجاح في التعبير عن مشاعره يعني أنه سوف يكون واثقاً من نفسه ولديه شخصية قوية ومتزنة وفعالة؛ ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك" وفي حديث خاص بها بالمرشد التربوي عارف عبد الله، حيث أشار إلى طرق تعليم الطفل التعبير عن مشاعره وتأثير ذلك على بناء شخصيته ومن هذه الطرق الاحتضان والخروج به إلى الطبيعية وغيرها من الطرق في الآتي:
تحدثي معه باستمرار ومنذ المرحلة الجنينية
ابدأي بالحديث مع طفلك وبصوت هامس وبلغة عربية سليمة، منذ أن يصبح جنيناً صغيراً في رحمك، فأنت لا تعرفين فوائد الحديث مع الطفل منذ المرحلة الجنينية بلغة عربية سليمة فلا تعتقدي أنك يمكنك إهمال هذه المرحلة الهامة التي أصبح علماء النفس يضيفونها إلى عمر الإنسان لأنها تقترب من السنة، فأنت تتحدثين عن ثلاثة أرباع سنة أي تسعة أشهر كاملة لمخلوق كان يستمد حياته من حياتك، ولكنه ليس جسماً أجوف أو أصم، بل هو لديه مشاعره وأحاسيسه ويتأثر ويشعر بالعالم الخارجي، وما يدور به، وبالتالي فهو سوف يرتبط بك ويتعلم كيف يبوح لك ويشاركك كل ما يفكر به منذ أن يبدأ في تعلم الكلام.
حدثيه عن نفسك
حدثي طفلك ومنذ سن مبكرة عن نفسك، وعن إنجازاتك وكل ما تشعرين به من مشاعر وأحاسيس، وبالتالي فسوف تعلمينه أن يتحدث معك عن نفسه، ولذلك اختاري الأوقات المناسبة لكي تصبحي معه وتكلميه، مثل وقت إطعامه فيمكنك أن تكلميه عن موقف حدث معك أثناء إعداد الطعام أو عن إصابتك بجرح في إصبعك وأنت تقسمين الخضار إلى شرائح، وأخبريه عن ألمك وكيف عالجت الجرح، وكيف أنك تكونين سعيدة رغم الألم لأنك تعدين له وللعائلة الطعام الذي يحبونه، فأنت هكذا تعلمين طفلك التضحية وتعلمينه قوة التحمل أيضاً، وحدثيه باستمرار كيف تحلين كل مشكلة تواجهينها، وعلميه أن يتكلم عما يحدث معه سواء في غيابك أو حين يكون في المدرسة لكي يخبرك بكل مشاكله، خاصة لو تعرض للتنمر من الآخرين.
كوني كاتمة أسراره
لا تتوقعي ان يتحدث طفلك عن نفسه ويعبر عن مشاعر ما لم تكوني حريصة على كتم أسراره وعدم إفشائها، حتى لو على سبيل المزاح، فالطفل سوف يشعر بعدم الأمان وزوال الثقة بينك وبينه فيما لو اكتشف أن سره الصغير قد أصبح الجميع يعرفه، ولذلك حين يخبرك طفلك بأمر ما يريد أن يقوم به فيجب عليك أن تحتفظي بالسر، ولا تتحدثي عن مشاريعه المقبلة أمام أحد إضافة لأن عليك في المقابل أن تودعي لديه سراً وتخبريه بأن عليه ألا يطلع عليه أحداص، وهكذا فأنت تعززين ثقة طفلك بك وتعززين ثقته بنفسه، وتشجعينه على أن يحدثك عن كل صغيرة وكبيرة في حياته.
حافظي على خصوصياته
احترمي خصوصية طفلك ومنذ سن مبكرة، وعلميه آداب الحديث، وآداب وقوانين البيت ودخول غرف الآخرين، بحيث تكونين قدوة له منذ صغره، فلا تعتقدي أنه لا يوجد ضرورة لكي تطرقي باب غرفته، ويجب أن تعرفي وفي سن مبكرة أن غرفة الطفل هي عالمه الخاص، بل يجب عليك أن تفعلي ذلك وأن يقوم هو أيضاً بالمثل؛ لكي يعرف أن لكل إنسان حدوداً يجب عدم تجاوزها، وفي نفس الوقت فالخصوصية المنزلية والعائلية يجب أن يحافظ عليها طفلك، ولا يخبر أحداً عن أسرار البيت، ولا يتحدث للغرباء عن نفسه أو مشاكل أسرته على الإطلاق، بل أخبريه وحثيه على أن يكون للبيت حرمته وله حياته الخاصة التي لا يطلع عليها الغرباء؛ لكي لا يتعرض للابتزاز والاساءة.
اخرجي به إلى الطبيعة
أخرجي بطفلك إلى الطبيعة ومنذ سن مبكرة، ولا تتوقفي عن الخروج من البيت لاعتقادك أنه لا زال صغيراً، بل على العكس فهناك أضرار صحية ونفسية لعدم خروج الطفل من البيت خصوصاً في عامه الأول ويجب عليك تفادي هذه الأضرار، التي من بينها أن يكون طفلك انطوائياً، ويجب عليك الخروج إلى الطبيعة مع طفلك؛ لكي يتعرف على العالم الخارجي وابدأي في الحديث عن مشاعرك، مثل سعادتك برؤية منظر غروب الشمس، وسعادتك بشم رائحة الزهور في الحديقة، فسوف يفعل طفلك مثلك ويبدأ في الحديث عن مشاعره حين يتواصل بطريقة مباشرة مع العالم الخارجي، ويبدأ في التعود في الحديث عن نفسه.
ساعديه على الاختيار وادعمي قراراته
ساعدي طفلك في أن يكون له رأيه الخاص؛ لأن الطفل حين يكون في أسرة تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في حياته، سوف ينشأ طفلاً مكبوتاً وتصبح لديك مشكلة الانطواء التي تسحب الطفل من الحياة الاجتماعية وتجعله سلبياً، وتبدأين في البحث عن كيفية التعامل مع الطفل الانطوائي، وأنت لا تعرفين أنك بتسلطك عليه قد أصبح طفلك لا يملك الفرصة للتعبير عن مشاعره، ولا ما يحزنه أو يفرحه، وهذا خطأ كبير ترتكبه الأم على اعتقاد منها أن طفلها لا زال صغيراً، ولا يعرف مصلحة نفسه، وتعتقد أنها الأكثر قدرة على تقرير مصير حياته، ولذلك فعليها أن تترك هذا الاعتقاد لأن الطفل من حقه أن يقرر تحت التوجيه، ولا تترك له الحرية الكاملة، ففي نفس الوقت أنت تنصحين طفلك ولكنك لا تتركينه لكي يرتكب أخطاء جسيمة، ولا تضعي كل تصرفاته تحت المجهر، بل ساعديه لكي يتنفس بحرية، كما يجب عليك أن تعززي لديه حب الاكتشاف والتجربة وخوض المغامرات المحسوبة.
قد يهمك أيضاً: ما أهمية التواصل النوعي مع الطفل لتعزيز ثقته بنفسه وبناء شخصيته المستقبلية؟