في صباحيات أيام الشتاء كثيراً ما تجلس بعض الأمهات يراقبن أطفالهن ذوي الثماني سنوات وهم يتثاءبون للمرة العاشرة قبل أن يذهبوا إلى المدرسة؛ ما يوحي بتعبهم وإرهاقهم، وكأنهم لم يناموا طوال الليل، هذا المشهد الذي يتكرر في العديد من المنازل يثير تساؤلاً مهماً: ما أسباب التعب والإرهاق المستمر عند الأطفال؟
للإجابة عن السؤال التقت "سيدتي وطفلك" الدكتورة نوال منصور أستاذة الطب النفسي وتعديل السلوك لعرض أسباب التعب والإرهاق المستمر عند الأطفال وطرق التعامل مع الظاهرة.
"سيدتي" الأم:

التعب والإرهاق المستمر عند الأطفال ليس مجرد مشكلة عابرة، بل هي ظاهرة منتشرة، وتُعَدُّ مؤشراً على أمور أعمق تتطلب الانتباه من الأهل، والسعي لفهم الأسباب واتخاذ الخطوات الصحية المناسبة، ومساعدة الأطفال على استعادة النشاط والحيوية من داخلهم ليعيشوا طفولة مليئة بالحيوية والسعادة.
ظاهرة متزايدة ومقلقة
الحقيقة الطبية تؤكد أن هناك العديد من الأطفال يعانون من ظاهرة التعب والإرهاق المزمن الذي يؤثر في أدائهم الدراسي ونشاطهم اليومي، وحتى في صحتهم النفسية.
ووفقاً لدراسات عديدة فإن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يومياً أمام الشاشات معرضون للإصابة باضطرابات النوم والإرهاق المزمن بمعدل الضعف، وذلك مقارنة بأقرانهم الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية لفترات أقل، والأمر لا يقتصر على الشاشات، بل هناك أسباب متعددة وراء هذا التعب المستمر .
أسباب أخرى لتعب وإرهاق الطفل المستمر:
نقص التغذية والترطيب: الوقود الأساسي لطاقة الأطفال

يحتاج جسم الطفل إلى كمية كافية من الفيتامينات والمعادن للحفاظ على نشاطه، وأي نقص في العناصر الأساسية مثل الحديد وفيتامين B12 قد يؤدي إلى الشعور بالإرهاق المستمر.
فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، على سبيل المثال، يُعتبر أحد أكثر الأسباب شيوعاً وراء التعب عند الأطفال؛ ما يؤدي إلى شحوب الوجه، والدوخة، وضعف التركيز.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص شرب الماء يمكن أن يكون سبباً غير متوقع للإرهاق، حيث يؤدي الجفاف إلى انخفاض ضغط الدم وتقليل تدفق الأكسجين إلى الدماغ؛ ما يسبب الشعور بالخمول والضعف.
الأطعمة التي تعالج فقر الدم لدى الأطفال تعرفي إليها داخل التقرير.
اضطرابات النوم وتأثير الشاشات

النوم الجيد هو العامل الأهم في تجديد طاقة الأطفال، ولكن بعض العوامل قد تعوق حصولهم على راحة كافية، اضطرابات مثل انقطاع التنفس في أثناء النوم، الناتج عن تضخم اللوزتين أو اللحمية، قد تمنع الطفل من الدخول في مراحل النوم العميق؛ ما يؤدي إلى الاستيقاظ متعباً رغم ساعات النوم الكافية.
ومن جهة أخرى، فإن الاستخدام المفرط للشاشات قبل النوم يؤدي إلى تثبيط إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم؛ ما يسبب الأرق واضطرابات النوم التي تؤدي بدورها إلى إصابة وشعور الطفل بالإرهاق خلال النهار.
الأمراض المزمنة والحساسية: أسباب خفية للإرهاق

بعض الحالات الطبية المزمنة مثل الربو قد تكون سبباً رئيسياً للتعب المستمر، حيث تؤثر في قدرة الطفل على التنفس بشكل طبيعي؛ ما يقلل من مستوى الأكسجين في الدم ويؤدي إلى الشعور بالإرهاق، كذلك فإن الحساسية غير المشخصة، سواء كانت تجاه بعض الأطعمة أو العوامل البيئية مثل الغبار وحبوب اللقاح، يمكن أن تؤثر في طاقة الطفل وتتسبَّب في التهابات مزمنة وإجهاد للجهاز المناعي.
الضغط النفسي والعاطفي: الإرهاق النفسي ينعكس على الجسد
الصحة النفسية للأطفال تلعب دوراً رئيسياً في مستويات نشاطهم، حيث يمكن أن يؤدي التوتر والقلق والاكتئاب إلى الشعور المستمر بالتعب، الأطفال الذين يواجهون ضغوطاً نفسية بسبب مشاكل أسرية أو صعوبات مدرسية قد يعبرون عن ذلك من خلال الإرهاق الجسدي؛ إذ يتجلى ذلك في قلة النشاط، والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، وكثرة الشكاوى من الصداع أو آلام الجسم من دون سبب طبي واضح.
النشاط البدني الزائد ومتلازمة التعب المزمن

بينما يُعتبر النشاط البدني ضرورياً لصحة الأطفال؛ فإن الإفراط في التمارين الرياضية أو الأنشطة اليومية من دون فترات راحة كافية قد يؤدي إلى الإرهاق البدني والنفسي، في بعض الحالات قد يكون الطفل مصاباً بمتلازمة التعب المزمن "CFS"، وهي حالة طبية تتسم بالإرهاق المستمر الذي لا يتحسن حتى مع الراحة، وتصاحبها أعراض مثل آلام العضلات، وتقلبات المزاج، وصعوبة في التركيز.
كيفية التعامل مع هذه المشكلة

لحماية الأطفال من الإرهاق المزمن؛ يمكن للأهل اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة ولكن الفعَّالة، ومنها :
التأكد من التغذية السليمة: تقديم وجبات غنية بالحديد والفيتامينات، وتشجيع الأطفال على شرب الماء بانتظام.
تنظيم النوم: وضع روتين ثابت للنوم والتقليل من استخدام الشاشات قبل النوم بساعتين على الأقل.
الانتباه للأعراض الصحية: متابعة أي علامات على أمراض مزمنة أو حساسية قد تؤثر في طاقة الطفل.
دعم الصحة النفسية: توفير بيئة آمنة للأطفال، والاهتمام بمشاكلهم النفسية وتقديم الدعم العاطفي اللازم.
موازنة النشاط البدني: تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة باعتدال، مع فترات راحة كافية بين الأنشطة.
* ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.