من منا لا يحب الوطن، من منا لا يقدس ثراه الطييب، من منا لا يضحى بغاليه ونفسيه فداء لذرة رمل واحدة تُمس من عدو قاهر أو خائن خسيس غادر، من منا من لا يذود عن وطنه ويدفع عنه كيد المعتدين ويرفع عنه جور الظالمين، فالوطن ليس مجرد كلمة نتغنى بها ونتغزل بحروفها ونظل نكررها دون أن ندرك قيمتها وماهيتها، الوطن لا يمكن وصفه بعبارات مقتضبة ولا جمل موجزة ولا صفات منمقة، الوطن شعور وإحساس وفكرة تنبض بالوجدان، لايبليها الزمان، ولايؤثر عليها كر الايام، ولقد عبر الشعراء بطول التاريخ وعرضه عن الوطن وقيمته وماهيته وما يستحقه وما يمثله لكل منا، وحيث تحل ذكرى الاحتفاء باليوم الوطني السعودي الـ93، وفي ظل إطلاق السعودية على العام الحالي (2023) عام الشعر العربي، واحتفاءً بدوره الحضاري وقيمته المحورية في الثقافة العربية، سيدتي انتهزت هذه الفرصة والتقت الشاعر والناقد الأدبي صالح شرف الدين عضو شعبة النقد سابقا وعضو شعبة الخيال العلمي حاليا باتحاد كتاب مصر في حديث حول الشعر العربي وكيف احتفى بالوطن عبر الأزمان
يقول صالح شرف الدين لسيدتي: الوطن قيمة كبيرة لكل منا، فهو الملجأ والمأوى، والسكن والمثوى، وهو الشرف والعرض والعز والعزة والرفعة والسمو والهدف، الوطن هو ما نحيا فيه وبه وله، ومن ليس له وطن لا عاش ولا كان تتخطفه الأحزان والمحن.
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
طلله بسقط اللوى اسم لمكان، بين جبل الدخول وحومل، وتوضح والمقراة، وهو يعرفه بدقة عندما يأتيه من الجنوب ومن الشمال
بحومانة الدراج فالمتثلم
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم
حومانة الدراج اسم لمكان،وكذلك المتثلم،والرقمتين وقد صارت بعد الرحيل كانها وشم في معصم ...
وسار على هذا النهج كل الشعراء الذين يريدون أن يكتبوا قصيدة كلاسيكية لابد لهم من البدء بالغزل والوقوف على الأطلال تقديرا للوطن الأول الذي لا يمكن نسيانه ...
وأفديه بدمعي لو أنابا
نثرت الدمع في الدمن البوالي
كنظمي في كواعبها الشبابا
يدافع الشاعر عن وطنه في فترات الأزمات، وقد تأكد ذلك في فترات الاحتلال، فيركز الشاعر على وجوب الدفاع عن الوطن ويذكر مساويء المحتل، ويمدح الشهداء، ويذكر بقيمة الوطن وفضله على المواطن، وقيمة الحرية التي يكبلها المحتل والتي لا قيمة للحياة بدونها.
يد سلفت ودين مستحق
يقول صالح شرف الدين لسيدتي: أحسب أن أشهر من أبدعوا في الشعر الوطني :
يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ
ولا في حليفِ الحب إن لم يتيم
ومن تؤوِهِ دارٌ فيجحدُ فضلها
يكن حيواناً فوقه كل أعجمِ
ألم ترَ أنَّ الطيرَ إن جاءَ عشهُ
فآواهُ في أكنافِهِ يترنم
رؤوسَ الوَرَى وزهورَ الأَملْ
وَرَوَّيْتَ بالدَّمِ قَلْبَ التُّرابِ
وأَشْربتَهُ الدَّمعَ حتَّى ثَمِلْ
سيجرُفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ
ويأْكُلُكَ العَاصِفُ المشتَعِلْ
هناك في بلادي ملوحةْ
ويدٌ تمنحُ الملاك
أغنيات وأجنحةْ
العصافير أم صداك
أم مواعيدُ مفرحةْ
وبالطبع وكل شعراء فلسطين،وهناك مشاركات مميزة من باقي شعراء الوطن العربي، فإذا بحثنا قلما نجد شاعرا لم يمجد وطنه وأمته ولم يذب عشقًا ووجدّا في فضاءه وتبر ثراه.
يقول صالح شرف الدين لسيدتي: الوطن قيمة كبيرة لكل منا، فهو الملجأ والمأوى، والسكن والمثوى، وهو الشرف والعرض والعز والعزة والرفعة والسمو والهدف، الوطن هو ما نحيا فيه وبه وله، ومن ليس له وطن لا عاش ولا كان تتخطفه الأحزان والمحن.
- كيف كان الوطن أحد أهم ركائز وأغراض القصيدة في الشعر القديم
يقول: المهم أن نحدد ما الوطن أولا، لأن الكثيرين لا يعرفون ما الوطن بالتحديد، فالوطن في أحسن تعريف له : الأرض والسماء والماء والطعام والآباء والأجداد والتاريخ لذلك تتمايز الأوطان ومهما بعدنا عن أوطاننا نحن إليها، وقد احتفى الشعر العربي بالوطن أيما احتفاء رغم أن العربي قديما كانت مهنته الرعي، وانتقل كثيرا من مكان إلى مكان وراء الماء والمرعى، إلا أن الوقوف على الأطلال وبقايا الديار، كانا ركنًا أساسيُا من أركان القصيدة الكلاسيكية فلابد أن تبدأ بالغزل والوقوف على الأطلال، وما الأطلال إلا وطن لا يمكن للشاعر أن ينساه، وإذا مر به سيطرت عليه الذكريات، وأخذ الحنين بتلابيبه، وإذا استعرضنا المعلقات سنجدها كلها قد ذكرت الدار وبقايا الديار التي نشأ فيها الشاعر، والتفاصيل الصغيرة التي لا يعرفها إلا هو.- وقد برع أمرؤ القيس أمير الشعر الجاهلي في ذلك فحدد مكان الطلل بدقة شديد ومن كل الجهات يقول بأحد قصائده:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلبسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
طلله بسقط اللوى اسم لمكان، بين جبل الدخول وحومل، وتوضح والمقراة، وهو يعرفه بدقة عندما يأتيه من الجنوب ومن الشمال
- ويبدع في ذلك شاعر الحكمة زهير بن أبي سلمى فيقول
أمن أم أوفى دمنة لم تكلمبحومانة الدراج فالمتثلم
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم
حومانة الدراج اسم لمكان،وكذلك المتثلم،والرقمتين وقد صارت بعد الرحيل كانها وشم في معصم ...
وسار على هذا النهج كل الشعراء الذين يريدون أن يكتبوا قصيدة كلاسيكية لابد لهم من البدء بالغزل والوقوف على الأطلال تقديرا للوطن الأول الذي لا يمكن نسيانه ...
- يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في مطلع قصيدة بعد المنفى :
أنادي الرسم لو ملك الجواباوأفديه بدمعي لو أنابا
نثرت الدمع في الدمن البوالي
كنظمي في كواعبها الشبابا
- سلاح الشاعر قلمه ومدفعه المدجج بالطلقات هو قصائده، كيف يستخدم الشاعر أسلحته الفتاكة في الذود عن وطنه
يدافع الشاعر عن وطنه في فترات الأزمات، وقد تأكد ذلك في فترات الاحتلال، فيركز الشاعر على وجوب الدفاع عن الوطن ويذكر مساويء المحتل، ويمدح الشهداء، ويذكر بقيمة الوطن وفضله على المواطن، وقيمة الحرية التي يكبلها المحتل والتي لا قيمة للحياة بدونها.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة ثمن الحرية:
وللأوطان في دم كل حريد سلفت ودين مستحق
- كيف اختلفت نظرة الشاعر للوطن، وكيف عبر عنها في العصر الحالي
اختلف النظرة بعض الشيء عندما تطورت الحياة وأصبح العالم كأنه قرية صغيرة، وبدأت محاولات تذويب الفوارق والحدود بين البلاد، والتي صنع أغلبها المستعمرون، ولكنها لم تتسرب إلى الأحاسيس والمشاعر فمازال من رحل عن وطنه يحن إليه ويشتاق للعودة له- هل تجد الشعر الوطني بذات التأثير والقوة يشحذ الهمم ويلهم الشعوب كما كان سابقًا
لا، لأن الشعر الوطني لا يزدهر إلا في الأزمات، أوعندما يواجه ما يهدد كيانه، ويشكل خطرًا على وجوده، إلا أن هذه الأيام تحررت أغلب الشعوب وصارت المعركة معركة بناء وعمل، وإذا ألمّ بالوطن خطب ما فعندها يهب الشعراء يشحذون أسنة أفكارهم، ويسحبون زناد أقلامهم للذود عن أوطانهم بكل ما وهبهم الله من ملكات فطرية، وصياغات لغوية، وبنائيات لغوية..- حدثنا عن اشهر الشعراء الذين احتفوا بالوطن وأمجاده
يقول صالح شرف الدين لسيدتي: أحسب أن أشهر من أبدعوا في الشعر الوطني :
الشاعر المصري الكبير مصطفى صادق الرافعي والذي يقول :
بلادي هواها في لساني وفي دمييمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ
ولا في حليفِ الحب إن لم يتيم
ومن تؤوِهِ دارٌ فيجحدُ فضلها
يكن حيواناً فوقه كل أعجمِ
ألم ترَ أنَّ الطيرَ إن جاءَ عشهُ
فآواهُ في أكنافِهِ يترنم
كما يقول الشاعر التونسي العملاق أبو القاسم الشابي
تأَمَّلْ هنالِكَ أَنَّى حَصَدْتَرؤوسَ الوَرَى وزهورَ الأَملْ
وَرَوَّيْتَ بالدَّمِ قَلْبَ التُّرابِ
وأَشْربتَهُ الدَّمعَ حتَّى ثَمِلْ
سيجرُفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ
ويأْكُلُكَ العَاصِفُ المشتَعِلْ
ومن قصيدة الموعد للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش:
لم تزل شرفةٌ..هناك في بلادي ملوحةْ
ويدٌ تمنحُ الملاك
أغنيات وأجنحةْ
العصافير أم صداك
أم مواعيدُ مفرحةْ
وبالطبع وكل شعراء فلسطين،وهناك مشاركات مميزة من باقي شعراء الوطن العربي، فإذا بحثنا قلما نجد شاعرا لم يمجد وطنه وأمته ولم يذب عشقًا ووجدّا في فضاءه وتبر ثراه.