يوسف الرفاعي: حلمي تحقق بسلسلة وثائقية عن البيئات القاسية

صحراءِ أتاكاما في تشيلي
صحراءِ أتاكاما في تشيلي

تثيرُ خفايا عالمنا الطبيعي فضولَ مُتسلِّق الجبالِ الكويتي يوسف الرفاعي، إذ يهدفُ بشكلٍ خاصٍّ إلى استكشافِ أماكنَ مأهولةٍ، هي الأكثرُ جفافاً على وجه الأرض، وخوضِ مغامراتٍ بيئيَّةٍ، واختبارِ رحلاتٍ في ظروفٍ مناخيَّةٍ قاسيةٍ. وتوَّج المُغامر رحلاته الاستكشافيَّة أخيراً بزيارةِ صحراءِ أتاكاما في تشيلي، التي تُعدُّ من أكثر الأماكنِ جفافاً على وجه الأرض. امتدَّت الرحلةُ من 11 أبريل إلى 7 مايو 2024، وكانت مملوءةً بالتحدِّيات، وشملت استكشافَ كويلاجوا، مستوطنةٌ صغيرةٌ، تتمتَّعُ مجتمعاتها بمرونةٍ في مواجهةِ الظروفِ البيئيَّة الصعبة. وتأتي مُغامرة الرفاعي في إطارِ سلسلةٍ وثائقيَّةٍ مستمرَّةٍ بعنوان «أقاصي الأرض» Earth's Extremes، يعدُّها، ويُنتجها بهدفِ تسليط الضوءِ على المواقعِ ذات البيئاتِ القاسية، والأشخاصِ الذين يعيشون في تلك الوجهاتِ والمناطق.
تحاورُ «سيدتي» الرفاعي، وتسأله عن بعض مغامراته، إضافةً إلى أهدافه من تسجيلِ الوثائقيَّات.

يمكنك متابعة مقابلة المغامر الكويتي يوسف الرفاعي أيضًا في مجلة سيدتي.

ما سببُ اهتمامكَ بالسفرِ البيئي؟

مُتسلِّق الجبالِ الكويتي يوسف الرفاعي


منذ نعومةِ أظافري، وأنا شغوفٌ بكلِّ ما هو مختلفٌ وغير مألوفٍ. في هذا الإطار، أتذكَّر أنني كنت أقضي ساعاتٍ في مشاهدةِ القنواتِ التلفزيونيَّة التي تعرضُ الحياةَ البريَّة حيث يظهرُ بطلٌ، يتغلَّبُ على الأفاعي، ويصارعُ الثعابين، أو رجلٌ، يعيشُ وحيداً في كوخٍ صغيرٍ، ويجتهدُ من أجل البقاءِ في أقصى الشمال. بقيتُ على هذه الحالِ حتى جاء الوقتُ الذي أصبحت لديَّ القدرةُ فيه على استكشافِ العالم. فعلتُ ذلك من خلال تسلُّقِ الجبال، وحقَّقتُ أرقاماً قياسيَّةً في هذا المجال، ومع مرورِ الزمن، أدركتُ أن لدي مسؤوليَّةً أكبر من مجرَّدِ تحقيقِ الوصولِ إلى القمم، فحلمُ الطفولةِ، لا يزال يلاحقني، وهو مشاركةُ الناسِ معلوماتٍ، لم تكن معروفةً من قبل، وهذا في رأيي الاستكشافُ الحقيقي، كما أن أغلبَ الجبال، سبقَ أن تمَّ اعتلاءُ قممها، والبقيَّة الساحقة، لا تحملُ أي أهميَّةٍ للبشر. من هنا، جاءتني فكرةُ إنتاجِ فيلمٍ وثائقي «أقاصي الأرض» عن اكتشافِ سكانِ المناطقِ الأصعب من الناحيةِ البيئيَّة، وتحديدِ سُبل بقائهم.
أهدفُ من خلال هذا المشروعِ إلى التعلُّمِ منهم، وتوثيقِ حياتهم، ومشاركةِ معرفتهم وخبراتهم مع العالم. في هذه الفكرة، رأيتُ أن حلمَ الطفولةِ يتحقَّق.

في ظلِّ توفُّرِ المعلوماتِ حالياً عن طريقِ ضغطةِ زرٍّ، لماذا اخترت خوضَ تجربةِ الاستكشافِ بنفسك؟

لقطة من إحدى جولات يوسف الرفاعي


كنت لأعوامٍ، أعتقدُ أن المعلوماتِ متوفِّرةٌ عن طريقِ ضغطةِ زرٍّ حتى في مجالِ تسلُّقِ الجبال، وقد اعتليتُ جبالاً، لم أشعر فيها بالشغف، لأنني كنت على عِلمٍ مسبقٍ بالطريق، ورأيتُ صوراً عن المسارِ من بدايته إلى نهايته، ومن مصادرَ مختلفةٍ. ما تقدَّم، جعلني أتجنَّبُ الرحلاتِ إلى عديدٍ من الجبالِ المعروفة، إذ يمكنني تسلُّقها ببصري قبل أن أخطو خطوةً واحدةً فيها، لكنْ، منذ أن بدأتُ مشروعي الحالي، تغيَّر الأمرُ تماماً ففي بعض الأحيان، وأثناءَ التخطيطِ لمغامرةٍ في مكانٍ جديدٍ، أُصدَمُ عند الوصولِ بوجودِ أماكنَ، لم ترد في أي مصدرٍ مطبوعٍ، أو إلكتروني.

دليل محلي

لقطة من إحدى مغامرات يوسف الرفاعي

التخطيطُ ضروري قبل كلِّ رحلةٍ، ما الاستراتيجياتُ التي تتبعها قبل الانطلاقِ في رحلاتك؟


أبدأ عادةً بمشاهدةِ فيديوهاتٍ مصوَّرةٍ عن المكان للحصولِ على نظرةٍ عامَّةٍ، ثم أقرأ موضوعاتٍ عن الوجهةِ بصورةٍ معمَّقةٍ، فأبحثُ عن دليلٍ، أو شركةٍ، ترشدني، وتعتني بالأمورِ اللوجستيَّة، وتصاريحِ الدخولِ والتصوير. في هذا الإطار، أفضِّلُ التواصلَ مع أصدقائي الذين لديهم معارفُ في هذا المجال، وأحرصُ على اختيارِ دليلٍ محلي لخبرته ودرايته بالثقافةِ المحليَّة.

الشعب الخاسي

يُعدُّ الانخراط بالسكانِ المحليين من أكثرِ التجاربِ الحقيقيَّة في السفر، كيف ترى هذا الأمر؟


بالطبع، اكتسابُ الخبراتِ الحقيقيَّة في السفر، يأتي من خلال التعرُّفِ على سكانِ كلِّ منطقةٍ مقصودةٍ عن كثب، وهو ما يخلَّدُ في الذاكرة. لكلِّ شعبٍ ميزاتٌ، لكنْ أكثر مجموعةٍ أثارت فضولي، وسُعدت بالتعرُّف عليها عن قربٍ، الخاسيون، وهي عرقيَّةٌ، تعيشُ شمالَ شرقي الهند، وتحديداً في تلال خاسي. ما يميِّزُ ثقافةَ الشعبِ الخاسي نظامُهم الأمومي، إذ يأخذُ المولودُ اسمَ الأمِّ بدلاً من الأب، ويرثُ الأطفالُ الممتلكاتِ عبر خطِّ الأم. يعكسُ هذا النظامُ احترامَهم العميقَ للنساء، ودورهن المركزي في المجتمع.

 

"اعتليت جبالاً لم أشعر فيها بالشغف لأنني كنت على علم مسبق بالطريق"
يوسف الرفاعي

 


أقل نسبة أمطار في العالم

يوسف الرفاعي يستكشف الأماكن الأكثرُ جفافاً على وجه الأرض

ما سببُ اختياركَ زيارةَ صحراءِ أتاكاما في تشيلي؟


اخترتُ صحراءَ أتاكاما لتصويرِ حلقةٍ من فيلمي الوثائقي تحت اسم «الأجف». لم تكن المهمَّةُ سهلةً، واستغرقَ الأمرُ أسابيعَ حيث مررتُ بعديدٍ من القرى المهجورة، وقرى أخرى غير مُرحَّبةٍ، حتى وجدتُ البقعةَ التي سجَّلت أقلَّ نسبةِ أمطارٍ في العالم، وهي كيولاجوا.

بالحديثِ عن كيولاجوا، ما طبيعةُ هذه المستوطنةِ، ومناخها، وثقافةُ المحليين فيها؟


كيولاجوا مستوطنةٌ صغيرةٌ، تقع في قلبِ صحراءِ أتاكاما، وتعدُّ من أكثر الأماكنِ المأهولةِ جفافاً على وجه الأرض بمعدَّلِ أمطارٍ سنوي 0.15 ملم. هطولُ المطرِ حدثٌ نادرٌ ومهمٌّ جداً للسكان، فهو لا يحدثُ سوى لدقائقَ معدودةٍ في العام. وعلى الرغمِ من قسوةِ ظروفِ المناخ في كيولاجوا إلا أن ثقافتها لا تختلفُ عن القرى المجاورة، لكنْ، سكان كيولاجوا يُظهرون قدرةً على إيجادِ حلولٍ لمشكلاتهم من خلال استثمارِ المنطقة، إذ كانت هناك محاولاتٌ للاستثمارِ في الزراعة، وإنشاءِ مزارعَ للروبيان في نهر لوا، الذي يمرُّ بالمستوطنة. مع ذلك، أدَّت حادثةُ تلوُّثِ النهر في ثمانينياتِ القرنِ الماضي بفعلِ موادَّ مستخدمةٍ في عملياتِ التعدين إلى إنهاءِ كلِّ تلك المبادرات.

سيبيريا

إلى أين ستكون رحلتكَ الاستكشافيَّة المُقبلة؟


ستكون إلى سيبيريا لتصويرِ الحلقةِ الأخيرةِ من فيلمي الوثائقي «أقاصي الأرض»، وهي بعنوان «الأبرد». من المُحتملِ أن تكون هذه الرحلةُ الأصعبَ، والأعلى تكلفةً مُقارنةً برحلاتي السابقة. في هذا الإطار، سأزورُ منطقتَين، هما أويمياكون، وفيرخويانسك.