لإيميلي برونتي (1818-1848)، الروائية والشاعرة البريطانية، مقولة عن الدراجة، مفادها: "عندما تركب الدراجة، تشعر بالحرية والسعادة، فالدراجة وسيلة لاكتشاف العالم واستكشافه". برونتي الراحلة عن دنيانا كانت على حق؛ فالسفر بالدراجة أكثر من مجرد وسيلة نقل؛ إنها تجربة تسمح للمرء بالتواصل، بشكل عميق، مع العالم، واكتشاف المناظر الطبيعية الخلابة، وخلق ذكريات لا تُنسى، وحتى تحدّي الذات.
من جهةٍ ثانيةٍ، تُعدّ الدراجة الهوائية شريان حياة حضريًّا نموذجيًّا لأهل باريس، وزائريهم. هناك طرق سريعة للدراجات، في الوقت الراهن، مُصمّمة خصيصًا لربط أماكن الألعاب الأولمبية الصيفية 2024 في باريس، علمًا أنه سيبقى نحو 45 ميلًا من ممرات الدراجات بعد وصول الأولمبياد إلى خواتيمه.
إشارة إلى أنه في باريس، رُصد مبلغ مواز لـ250 مليون يورو، في خطة مركزية هادفة إلى تحسين البنية التحتية لركوب الدراجات في المدينة، بحلول عام 2026. تتمثل الخطة في جعل باريس "مدينة لركوب الدراجات بنسبة 100 في المئة".
4 أسباب وجيهة لاستكشاف باريس بالدراجة
يُمثّل استكشاف العاصمة الفرنسية، باريس، بوساطة الدراجة، طريقة لرؤية "مدينة الأنوار" من منظور مختلف، والتعرّف إلى مناطق غير مطروقة، في العادة، من السائحين. أضيفي إلى ذلك، زيارة باريس، مع استقلال الدراجة، تعني الشعور بالحرية، والاستمتاع بالهواء النقي، وتوفير المال، والتنقل من دون تلويث البيئة، وممارسة الرياضة...
الدراجة في باريس مرادفة للاستقلال والحرية
مع كل ضربة دواسة، هناك الحرية المطلقة، فالسائح(ة) ليس مُقيدًا بجداول النقل العام أو حجوزات الفنادق أو برامج الرحلات الصارمة. يمكن، في هذا الإطار، تحديد الوتيرة الخاصة، وتوقف راكب الـدراجة، متى شاء، للاستمتاع بالمناظر الطبيعية، أو التقاط الصور، أو تناول وجبة خفيفة لذيذة، أو زيارة متحف أو أي من المعالم السياحية، أو عيش اللحظة، ببساطة! يمكن ركوب الدراجة عبر الشوارع الصغيرة في العاصمة، أو اتباع الطرق الرئيسة المجهزة بمسارات الدراجات.
التوفير في تكاليف النقل
الدراجة وسيلة نقل اقتصادية، توفّر نفقات السفر بالسيارة في مدينة باريس (البنزين، وتكاليف وقوف السيارات، وما إلى ذلك)، علمًا أن هناك العديد من خدمات تأجير الدراجات المتاحة.
التواصل مع الطبيعة والثقافة
يسمح السفر بالدراجة باكتشاف أماكن نائية، وخارج المسار المطروق، ومقابلة السكان المحليين وتجربة ثقافتهم، بطريقة أصيلة، لتصبح كل منطقة جزءًا لا يتجزأ من رحلتك.
أسلوب الحياة المستدام
تُغيّر السياحة البيئية، الطريقة التي يسافر الناس بحسبها. في هذا الإطار، توفر الدراجة الهوائية بديلًا صديقًا للبيئة، مُقارنة بوسائل النقل الأخرى المتوافرة في باريس: فهي غير مُلوِّثة، وتخفض انبعاثات الغازات المتسببة بالانحباس الحراري، ووسيلة نقل غير آلية وممتعة، ولا تتسبب بالتلوث الضوضائي ...
الإفادة من معدات وخدمات ركوب الدراجات في باريس
يتوفر في باريس كل المعدات والخدمات اللازمة لعشاق ركوب الدراجات ولرحلاتهم بالدراجة؛ فهناك العديد من المتاجر والورش المتخصصة التي تبيع الدراجات، والمعدات المناسبة: (العجلات، والسلاسل، والملحقات، وأجهزة منع السرقة، وما إلى ذلك)، إضافة إلى الإصلاحات، والفحوصات، والنصائح... للعناية بدراجتك! وإذا كنت تفضل استئجار دراجة، هناك العديد من وكالات التأجير، وأيضًا تأجير الدراجات الكهربائية. يمكنك حتى الحصول على درس في ركوب الدراجات أو الذهاب في جولة بالدراجة مع مرشد للتأكد من عدم تفويتك أيًا من المعالم السياحية في المدينة.
مسار مقترح لاكتشاف باريس على متن الدراجة
المسار الآتي، الذي يبلغ طوله 6.5 كيلومترًا، مناسب للاستمتاع بمعالم باريس على متن الدراجة:
- يبدأ المسار من ساحة ألما Place de l’Alma، حيث يمكن الاستمتاع بإطلالة رائعة على برج إيفل. أضيفي إلى ذلك، لا تُفوّت هناك زيارة شعلة الحرية، وهي نسخة طبق الأصل بالحجم الطبيعي لشعلة تمثال الحرية في مدينة نيويورك. تم تحويل الشعلة إلى نصب تذكاري لليدي ديانا بعد أن فقدت حياتها في حادث سيارة في النفق تحت جسر ألما في عام 1997.
- الانطلاق على طول شارع جورج الخامس، المليء بـالقصور الباريسية الخاصة الأنيقة، مع الإشارة إلى أن بعضها تحوّل إلى سفارات أجنبية. يقود المسار إلى شارع الشانزيليزيه، أجمل شوارع العالم.
- يجدر بك متابعة المسير، فيما قوس النصر خلفك، حتى الوصول إلى شارع وينستون تشرتشل. ثم، يجب الانعطاف نحو الشارع، الذي يضمّ متحفين لا بد من زيارتهما: القصر الكبير (لو غران بالي) رائع المعمار إلى اليمين، والمصنف كنصب تذكاري تاريخي في عام 2000. وهو عبارة عن عمارة تجمع بين الكلاسيكية والحداثة. والقصر الصغير (لو بوتي بالي) إلى اليسار، حيث أعمال الرسامين الفرنسيين المرموقين، والأجانب، بما في ذلك لوحات عصر النهضة الإيطالية، والشعلة، والمنحوتات اليونانية والرومانية، إضافة إلى التحف الفنية من عصور منوعة... في نهاية الشارع، سيجد الراكب نفسه مرّة أخرى على رصيف نهر السين، أمام جسر ألكسندر الثالث مباشرة؛ والأخير هو أحد أجمل الجسور في باريس بلا منازع.
- بعد عبور الجسر، يجدر بالدرّاج الاتجاه يسارًا، مع ملاحظة أن الطريق "يُعانق" ضفة نهر السين، ويقود إلى حديقة Parc Rives de Seine، وهي منطقة ترفيهية على ضفاف النهر خاصّة بالمشاة وراكبي الدراجات، ومثاليّة لركوب الدراجات في فصل الصيف.
- عندما يجد راكب الدراجة نفسه تحت جسر الكونكورد، عليه العودة إلى رصيف النهر، ثمّ عبور الجسر للجولة حول ميدان الكونكورد. هناك، تبدو من حدائق باريس المميزة، "التويلري"، إلى اليسار، الحدائق، التي تفصل متحف اللوفر عن ساحة الكونكورد، والمكان المُمتع للمشي والثقافة للباريسيين والسائحين. وإلى اليمين، متحف أورسيه المتمركز في محطة قطارات. يحتوي المتحف على أعمال فنية فرنسية يرجع تاريخها إلى الفترة من عام 1848 إلى عام 1914، بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والأثاث والتصوير الفوتوغرافي. وعلى مسافة قصيرة من هناك، سيبدو متحف اللوفر، إلى اليسار.
- مع ركوب الدراجة، على طول الرصيف، بعد جسر الفنون (بون دي زار)، وعبور نهر السين، على جسر نوف، أقدم الجسور في رصيف باريس، يمكن الوصول إلى جزيرة المدينة، مع الدوران حولها على طول رصيف أورفيفر، حتى الوصول إلى كاتدرائية نوتردام، المغلقة راهنًا، بعد اندلاع حريق فيها، في 15 أبريل 2019.
- ثمّ، يمكن أخذ شارع آركول للوصول إلى جسر آركول، وهو أحد الجسور التي تربط ضفاف نهر السين بجزيرة المدينة، فعبور نهر السين مرة أخرى، والاستمرار في السير بشكل مستقيم، وصولًا إلى الساحة أمام فندق دي فيل دي باري الرائع (دار بلدية باريس) - نقطة النهاية لهذا المسار.
الدراجة طريقة مفضلة لاكتشاف كنوز مخفية في باريس
مع 1000 كيلومتر من مسارات الدراجات، وممراتها، في أنحاء مدينة باريس، يمكن ركوب الدراجة على طول الطرق الرئيسة لتجربة كل الإثارة التي توفرها العاصمة، أو شق طريقك عبر الشوارع الصغيرة الخلابة وغير العادية، مثل: شارع تيرموبيل Rue des thermopyles في الدائرة الباريسية 14، الشبيهة أجواؤه بالريف، أو الممرات المليئة بالأزهار، مثل: ساحة بيوبلييه Square des Peupliers الهادئة، أو المناطق التي تشبه القرى، مثل: كامبان آ باريس Campagne a Paris، في الدائرة 20، المكان الفريد من نوعه في باريس. وإذا كانت قدرات راكب الدراجة، تسمح له بصعود التلال، عليه أن لا يتردد في ركوب الدراجة على تلال بوت أو كاي Butte aux cailles، الحي الهادئ، مع بيوته الصغيرة، والجداريات من فن الغرافيتي، أو بوت بيرجير Butte Bergeyre، والأخير عبارة عن حي صغير رائع، مؤلف من شوارع صغيرة عدة، على ارتفاع 100 متر، يستمتع به السائحون والباريسيون، ويعطي الانطباع بأنه "قرية صغيرة". يمكن أيضًا، التوجه إلى حديقة بوت شومون Parc des Buttes-Chaumont الرائعة، في شمال شرقي باريس، أكبر المساحات الخضراء في المدينىة (25 هكتارًا)، أو إلى تلة مونمارتر Butte Montmarte، وذلك في الدائرة 18، الشهيرة بأجوائها الاحتفالية، وطابعها البوهيمي.
في يوم واحد بالدراجة، يمكن الوصول إلى منطقة باريس الكبرى: شاتو، المدينة المتأثرة بالتاريخ والمعروفة بثقافتها، وجزيرة الانطباعيين المُسمّاة أيضًا "جزيرة شاتو"، التي تُقدّم تحيّةً إلى الفنّانين التشكيليين الذين تردّدوا في الموقع، في القرن التاسع عشر: بيير أوغست رينوار، وكلود مونيه، وإدغار ديغا، وغوستاف كايبوت، وألفرد سيسلي، وبيرث موريسوت، وعائلة مانيه، من خلال حديقة الانطباعيين، وهي مساحة للتنزه عائلية ورياضية، مع صالة ألعاب رياضية، ومتنزه للتزلج، ونادي الخيول.