شفيى الخييلي:في الإمارات بيئة حاضنة لإبداع المرأة

قد يبدو اسم «شفيى» غريب الوقع على الأذنين، ويعني الأعطية أو الهدية، التي جاءت لأهل البيت، وقد اختاره والداها لها، أملاً في فتاة تحقق حلمهما في عالم الفن، الذي طالما كان أسلوب حياتهما، كان هذا الاسم قوة إرشادية، لها، كما تقول، وقد دفعها، إلى استكشاف مختلف الأشياء في رحلتها.. تجسدت في عالم يعبر عن الفن. هي شفيى علي الخييلي، سيدة الأعمال الإماراتية، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة Soul Decoration Design & Implementation L.LC في دبي للتصميم بالإمارات العربية المتحدة، ومدريد بإسبانيا.
 

تتذكر المصممة شفيى في طفولتها، كيف كانت تقضي ساعات طوال في الرسم أو إعادة تصميم جريء لغرفة نوم مثالية برسومات ملونة، كانت لديها في غرفتها مساحة كبيرة، لدرجة أنها كانت تعيد ترتيب الأثاث على الورق كل أسبوع تقريباً! فاطمأنت عائلتها لتلك الطفلة التي وجدت تسليتها وهوايتها بنفسها، ولفتهم ذاك الاهتمام بالتفاصيل في سن مبكرة، وعندما كانت في رحلة عائلية إلى إسبانيا؛ أثار اهتمامها التصميم الأندلسي بأنماطه الهندسية المعقدة، وساحات أفنيته الجميلة، تتابع قائلة: «حركت مخيلتي تلك الزخرفات التي تنساب على الجدران، لتروي حكاية ملوك غرناطة وطليطلة، وشعرائها وأنس لياليها، كما أسرني اندماج التأثيرات العربية والإسبانية في العمارة. كانت أوائل إبداعاتي في الفن مستوحاة من التصميم الأندلسي، وهي عبارة عن لوحة زخرفية مصنوعة يدوياً أعرضها بفخر في غرفتي. تلك التجربة الهندسية المعقدة كانت بمنزلة بداية استكشافي لمزج عناصر الأرابيسك التقليدية مع التصميم المعاصر».

تفاصيل أندلسية

أكملت شفيى دراستها بهندسة الديكور في مدريد، كانت تجربة تحولية، بالنسبة إليها، تعرفت من خلالها إلى ثقافة تصميم نابضة بالحياة، وسمحت لها بالانغماس في تاريخ ثري للعمارة والتصميم الإسباني. تتابع قائلة: «تعلمت أن أقدر قيمة التفاصيل الحرفية، التي تتجلى في تقاليد التصاميم الإسبانية. كما زودتني الرحلة الدراسية بمنظور عالمي حول التصميم، ووسعت آفاقي فيه؛ ما أدى إلى إثراء نهجي الإبداعي؛ لأنني أثناء دراستي في مدريد تابعت أعمال مصممين إسبان مشهورين، مثل باتريشيا أوركيولا وخايمي هايون، اللذين تركا لدي انطباعاً فنياً رائعاً؛ إذ دفعتني تصميماتهما على التفكير خارج الصندوق، وانغمست في تصميم الابتكار اللامحدود، وتماهيت مع الروح الأندلسية بكل تفاصيلها وتأثيراتها الثقافية المتضاربة.. كنت أحتفي معها بالصدى العميق للأنماط والأنسجة المعقدة، حتى أصبحت جزءاً أساسياً من فلسفتي في التصميم».

احتفال عربي إسباني

عن الفرق بين التصميمين العربي والإسباني، تجد المصممة الخييلي أنه غالباً ما يحتضن التصميم العربي الألوان الغنية والأنماط المعقدة والتفاصيل المزخرفة؛ ما يعكس إحساساً بالرفاهية. في المقابل، يميل التصميم الإسباني إلى أن يكون أكثر تقييداً، مع التركيز على الخطوط النظيفة، واستخدام المواد الطبيعية.
تتابع: «التصميم العربي مستوحى من الفن والعمارة الإسلامية، ويضم عناصر مثل أنماط الأرابيسك والمشربيات والقباب. من ناحية أخرى، يُظهر التصميم الإسباني تأثير العمارة المغربية، مع ميزات مثل الأفنية والمداخل المقوسة والبلاط النابض بالحياة. على الرغم من هذه الاختلافات، هناك علاقة متأصلة بين الثقافتين، تتجلى في الروح الأندلسية التي تحتفل بدمج التأثيرات العربية والإسبانية في التصميم».
هناك اعتراف واسع النطاق، كما تؤكد الخييلي، بين المؤرخين والمهندسين المعماريين والمصممين بأن العديد من عناصر تصميمات القصور الإسبانية لها أصول عربية. تتجلى القرون المعمارية في إرث «المور»، الذين حكموا أجزاء من إسبانيا، فاقتبسوا الأنماط الهندسية التي تزين القصور والمعالم الأثرية في جميع أنحاء المنطقة. تعلّق: «يعد قصر الحمراء، أحد أكثر القصور شهرةً وروعةً في إسبانيا، وهو مثال بارز على الاندماج بين العناصر العربية والإسبانية».
تابعي اللقاء الخاص مع المهندسة نهى محسن: أترك توقيعي على التصميم بعيداً من التأثر بأحد

«الروح»

أطلقت شفيى على شركتها اسم Soul أو «الروح»، وتم اختياره بعناية ليعكس جوهر نهج التصميم لديها، فهي تؤمن أن التصميم يجب أن يتجاوز الجماليات، ويوصل أفكاره عن روح المكان، عبر فريقها، إلى الناس، تعلّق: «الاسم يلقى صدى عميقاً لدى عملائنا، فهو يصل روح الإلهام الأندلسي والتأثيرات الثقافية، بروح العناصر الحديثة لخلق مساحات خالدة ومستدامة في آن واحد».
وهي تسعى إلى تلبية الأذواق المتنوعة من دون أن تفضل طابعاً على آخر؛ حيث يمكن، برأيها، إبراز الجمال في أي مكان، تستدرك: «مع أن التصميمات الكلاسيكية تحتل مكانة خاصة في الثقافة الإماراتية، وتحظى بتقدير الكثيرين، لكنني أؤمن بمزج العناصر الكلاسيكية بأنماط التصميم المعاصرة لتلبية الجماليات الحديثة. وبشكل متناغم، سيبرز الفن مساحات تجذب فلسفتنا التصميمية الأوسع من دون المساومة على خدش جوهر الفن الإماراتي التقليدي».

أجواء ترحيبية

أتيحت للمصممة الإماراتية الفرصة للعمل على مشاريع تصميم مختلفة في دول الخليج الأخرى. كان أحدها، والذي لا تنساه، هو بوتيك في فندق فاخر في قطر؛ حيث رسمت عناصر ملهمة معاصرة لخلق أجواء ترحيبية في المكان، ومزجت التصميمات الداخلية للفندق بشكل متناغم بين التقاليد المحلية والتصميم الحديث.
أدخلت «روح» الذكاء الاصطناعي AI في برامجها التصميمية، لمعالجة وتعزيز الكفاءة والإبداع، مثل إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى بعض الإرشادات الافتراضية، وتحسين تخطيطات التصميم والإضاءة، واستهلاك الطاقة؛ لضمان تصميم مستدام وفعال.
تتابع: «هذا جعل العملاء يتخيلون مساحاتهم المستقبلية، وبالتالي أبدعنا تصميماً مستداماً فكان جوهر أعمالنا، ونحن ملتزمون بالممارسات الخضراء كلما أمكن ذلك. وغالباً ضمن إعادة تدوير الأثاث، وهو تصميم اقتصادي، نقوم من خلاله بتجديد وإعادة توظيف الجانب الأساسي الحالي من التصميم المستدام، فأنا أعمل مع الحرفيين والمصنعين المحليين الذين يعطون الأولوية لاستخدام المواد والتقنيات المستدامة».

القط الطائش

تذكر شفيى قصة طريفة حصلت معها، في أحد مواقع العمل؛ حيث تجول قط طائش مؤذ في موقع البناء، وقرر أن يشعر بالراحة على قمة ترفيهية منجدة حديثاً لفريقهم، وأخذ دور «ناقد التصميم». وعلى الرغم من توقف العمل لفترة وجيزة، فإنه ذكّر الفريق باللحظات غير المتوقعة والمبهجة التي تأتي مع العملية الإبداعية، وعن أغرب تصميم أبدعته، تتابع قائلة: «طلب مني عميل تصميم غرفة نوم واسعة بطابع فضائي، يريد فيها كائنات من خارج كوكب الأرض. فابتكرت تصميماً يشبه سفن الفضاء والزخارف السماوية التي تزين الجدران. وهو إضافة إلى كونه مشروعاً مبتكراً، فقد كان تجربة ممتعة لا تنسى لتحقيق أحلام العميل الكونية».
من عالم الديكور نقترح عليك قراءة اللقاء مع المصممة علياء المزروعي: الذكاء الاصطناعي أمر يثير القلق في التصميم

خيارات التخزين

تعدّ الخييلي السفر مصدراً لإلهامها؛ لأنه يتيح لها استكشاف الثقافات والأنماط المعمارية والأشكال الفنية المختلفة، واكتساب وجهات نظر جديدة، وإثراء مخزون التصميم الخاص بها، فقد تعودت على زيارة المعارض في بلدان مختلفة للتعلم من المواقع التاريخية والمتاحف ومبدعي الفنون المختلفة، واكتشاف اتجاهات التصاميم الجديدة، التي يمكن تكييفها لتناسب العملاء العرب.
انطلاقاً من التصاميم الإيجابية، ترى شفيى أن الكثير من النساء يرتكبن أخطاءهن عند اختيار أحد تصاميم womendesigns الشائعة لمطابخهن؛ حيث يعطين الأولوية للجماليات على الوظائف. تتابع: «من الضروري تحقيق توازن بين الأسلوب والتطبيق العملي، وإلا ستكون النتيجة مجرد مساحات مزدحمة وغير فعالة. ومن الضروري التخطيط بعناية لخيارات التخزين للحفاظ على المطبخ منظماً وعملياً».

التنقّل الذكي

كتاب عنوانه «هندسة السعادة» من تأليف آلان دو بوتون، يتعمق في العلاقة بين العمارة والعواطف البشرية، توقفت شفيى عنده كثيراً؛ لأنه يستكشف كيف يشكل التصميم تجاربنا ويؤثر في رفاهيتنا. إنه يؤكد أهمية خلق مساحات تثير المشاعر الإيجابية.
وهي الآن بصدد تأليف كتاب عن التنقّل الذكي بالتعاون مع IEEE والناشر وايلي. يركز الكتاب على البيئات الحضرية، ويتعمق في تكامل حلول التنقل الذكية، وفيه قسم فعال لمستخدمي التكنولوجيا والتصميم والاستدامة. ويدعو الكتاب إلى التخلي عن أنظمة النقل المركزة.
تتابع قائلة: «نحن نستكشف المركبات ذاتية القيادة والنقل العام والبنية التحتية للتنقل، مع معالجة تأثير هذه التطورات في التخطيط والتصميم الحضري؛ ذلك بهدف المساهمة في خلق حلول التنقل الحضرية المستدامة والذكية التي يمكن أن تعزز نوعية الحياة لكل من يقطن على أرض الإمارات».

نساء متحمسات

تعيد شفيى الحضور المتزايد للمرأة الإماراتية في صناعة التصميم إلى عوامل مختلفة. أولها التزام دولة الإمارات بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وثانيها خلق بيئة مواتية لها لمتابعة شغفها وطموحاتها في مختلف المجالات، بما في ذلك التصميم.
تتابع: «أدى تزايد التقدير والطلب على خدمات التصميم في المنطقة إلى إتاحة الفرص للمصممين الإماراتيين الموهوبين لعرض مهاراتهم وإبداعهم؛ ما سمح للمرأة باستكشاف اهتماماتها والمساهمة في تشكيل المشهد البصري لدولة الإمارات. كما أن تركيز الثقافة الإماراتية بشدة على الإبداع والجماليات؛ جعل التصميم مساراً وظيفياً طبيعياً وجذاباً للعديد من النساء المتحمسات للتعبير عن أنفسهن بشكل فني، والمساهمة في تطوير هوية بلادهن. كما شجع التقدير الثقافي للإبداع المزيد من النساء الإماراتيات على تبني التصميم بوصفه خياراً وظيفياً واعداً».
ما برأيك بمتابعة اللقاء مع المصمم رسلان بروسفيرين: أسلوب حياة الإمارات الفاخر ينعكس على المشاريع