لا يُسهِّل ذوقَا الزوجين المختلفَين، على المُشتغِل في العمارة الداخلية لـ «عشِّهما» أمرَ «ترتيبه»، لكنَّ براعة الأخير تبدو جليةً عندما «ينسجُ» من الاختلافات مساحةً منسجمةً ومملوءةً بالطاقة. تختصرُ السطور السالفة قصَّة الشقَّة البيروتية المبيَّنة في الصور، إذ تدخلُ العناصرُ الموزَّعة فيها، والنامَّة عن درايةٍ وثقافةٍ، في حوارٍ متناغمٍ. كان مهندسُ العمارة والأستاذُ الجامعي اللبناني كريم نادر، الممتدَّة خبرتُه لأكثر من 24 عاماً، تولَّى الأعمال في المشروع السكني، بالتعاون مع ياسمينا بلدي.
بحسب المهندس كريم نادر، يُمثِّل المنزل فرصةً لاكتشاف الذات، ويوفر الراحة والحماية، كما يُذكِّرنا أيضاً بأسئلتنا الشخصية ووحدتنا. يقول لـ «سيدتي»: «يُمكن لهندسة العمارة أن تُساعد في خلق فضاءاتٍ أرضيةٍ محفِّزةٍ للخيال، وحاثةٍ على الاستمرار في العيش والحلم بمستقبلٍ أفضل». ويضيف: «وجد مالكا هذه الشقَّة فرصةً من خلالها للعودة إلى بيروت بعد 20 عاماً من الغربة للاستمتاع مرةً أخرى بمسقط رأسهما بدلاً من الإقامة في الفنادق»، لافتاً إلى أن «الحضن الجديد الخاص بهما، يثير لحظةً من الصمت، وإمكانيةً أعمقَ للتأمُّل».
موقعٌ مميَّزٌ
عندما وطِئت قدما المهندس كريم الشقَّة، للمرة الأولى، افتُتن بالطابع الخام للمكان والموقع المتَّصل بمنطقةٍ خاصةٍ بالمشاة «الجميزة»، والأشجار الرائعة في حديقة الكنيسة أسفل المنزل، والإطلالة على البحر، وراقهُ البُعد عن صخب المدينة. يقول: «جذبني الارتفاعُ الكامل للواجهة الزجاجية التي توفر إطلالةً شاملةً على المدينة، وتجعل الإضاءة متدفِّقةً في كل أنحاء الفضاء الأرضي».
قد يهمك الاطلاع على النسخة المطبوعة من الموضوع عبر الرابط
سحر بيروت القديمة
تتألف الشقَّة من أربع غرف نومٍ، وغرفة جلوسٍ عائليةٍ، ومطبخٍ مفتوحٍ، وآخرَ مغلقٍ، إضافةً إلى صالةٍ رئيسةٍ، وغرفة طعامٍ، وحديقةٍ شتويةٍ، تشغل دور غرفة التلفزيون الرسمية. الشقَّة جزءٌ من بناءٍ مُسمَّى «إنسولا»، صمَّمه يوسف حيدر، وقد فرغ من إعلائه أخيراً، وعكس من خلاله العيشَ المعاصر.
"كل تصميم داخلي، يعكس أحلام أصحاب المشروع وتطلعاتهم"
البناءُ المأهول بالكامل من سكَّانٍ ذوي فكرٍ متناغمٍ، يقعُ على «شارع لبنان» التاريخي في بيروت، وهو شارعٌ ضيِّقٌ، لكن بحسب نادر: «على الرغم من أن هذا الضيق عيبٌ، إلا أنه يسلِّط الضوء على سحر حركة المشاة». ويُمكن بالتأكيد مغادرة الشقَّة سيراً على الأقدام لأخذ جولةٍ في «شارع غورو»، وزيارة صالون الحلاقة، أو المقهى، أو المعرض الفني. يقول المهندس اللبناني: «هذا هو سحرُ بيروت القديمة. تعدُّ الشقَّة تكريماً لهذا الطابع، والتراث العائلي لمالكيها».
تعاون
في سؤال «سيدتي» المهندس كريم نادر عن التعاون مع ياسمينا بلدي، أجاب: «أتعاون مع مصممين، ومهندسي عمارةٍ، وخبراءَ على صعيد كل المشروعات التي أتولَّاها». لافتاً إلى أنه يكون مسؤولاً عن الإطار المفاهيمي والتوجُّه الفني، بينما يقوم الذين يتعاون معهم بتفصيل الأفكار وتعزيزها، مع متابعة إعداد الرسومات والنماذج اللازمة. ومن أجل مشروع الشقَّة البيروتية المبيَّنة في الصور، وضعت ياسمينا بلدي لمساتٍ، تتَّسم بالبساطة والفنية، استلهمتها من الطبيعة أثناء إعداد الرسومات الخاصة بالمشروع. في ما بعد، وخلال مرحلة البناء، قام نادر بمتابعة الأمور بشكلٍ شخصي مع المالكين لإنهاء اختيار الأثاث والعناصر والتحف الفنية، قطعةً قطعة، وهذه الأخيرة ستظلُّ قابلةً للتغيير مع مرور الوقت.
ذوقان أنثوي وذكوري
يعتقدُ نادر، أن كل تصميمٍ داخلي، يعكسُ أحلام أصحاب المشروع وتطلُّعاتهم. يقول في هذا الإطار: «مالكا الشقَّة زوجان، يتمتَّعان بشخصيتين متناقضتين، فالزوج مُنجذبٌ إلى التصميم الصناعي، وكل ما هو خامٌ، فيما الزوجة متأثِّرةٌ بـالآرت ديكو، وكل ما هو فاخرٌ». عليه، قرَّر المهندس اللبناني، أن يجمع بين رأيي المالكين في التصميم الداخلي للشقَّة عبر دمج الذكورة بالأنوثة بطريقةٍ متناغمةٍ. يشرح نادر لـ «سيدتي» أكثر عن التصميم العام، قائلاً: «الجانب الذكوري بادٍ من خلال الكونكريت الخام، والفولاذ الأسود، ونقاء الفضاء العام، فيما الجانب الأنثوي ظاهرٌ في الألوان اللطيفة، والشرارة الذهبية، وانعكاسات المرآة، والكرسي الأحمر». ويضيف: «المحادثةُ بين أساليب الديكور، تُمثِّل فرصةً لإشعال طاقاتٍ جديدةٍ في الفضاء من خلال مواجهة النعومة الخشونة، والعكسُ صحيحٌ».
قد يهمّك الاطلاع على المطابخ في الشقق الحديثة.. تصاميم «مفتوحة» و«قليلة ...
ديكورٌ وألوان
لناحية الألوان الموظَّفة في تصميم الشقة الداخلي، يوضح نادر، أن «الرمادي الفاتح الدافئ، يصبغ الأرضية والجدران والسقف، مع استخدام ظلالٍ مختلفةٍ، أي درجاتٍ أغمقَ للأرضية، وأفتحَ للجدران بهدف تعزيز الدفء والطابع المؤرض، ثم تكمِّل عناصر الديكور هذا الأسلوب المريح، وتُنشِّطه عبر درجات الأبيض والبني، ومواد الجلد، وخشب الجوز، مع لمساتٍ خفيفةٍ من الذهب المتلألئ والأحمر التراثي البادي على كراسي الطعام، والأخضر الخفيف الواضح على الأريكة في غرفة العائلة». ويسعى تصميم المنزل، بحسب كلام نادر، إلى جلب السكينة والهدوء إلى قلب المدينة. ومع حركة الشمس خلال النهار، وعبور شعاعها عبر الستائر المثقَّبة ذات اللون الأسود، يتحقق التواصل مع الطبيعة.
عناصرُ جذَّابةٌ
يُسلِّط نادر الضوء على أساسياتٍ في التصميم الداخلي للشقَّة، وعناصرَ حاضرةٍ فيها، فيذكر أن «الباطون هو المادة الأساسية، مع خلق التباين عبر إضافاتٍ خفيفةٍ من الخشب، وطلاء الكروم الذهبي الحاضر على طاولات القهوة بأسلوب الآرت ديكو، والمرايا في المدخل من تصميم كارينا سكر، وهناك اللوحة التي ترسم المدينة والمحمّلة بتوقيع التشكيلي اللبناني إيلي رزق الله، إلى جانب لوحةٍ عائليةٍ من الراحل بول غيراغوسيان في الحديقة الشتوية». ويزيد: «الجلد يكسو الأرائك الرئيسة، والترافرتين بلون البيج الضارب إلى الرمادي، يصنع طاولة الطعام المركزية من تصميم جورج محاسب لصالح استديو Manda، وهناك سجاد أسودُ مائلٌ إلى الرمادي مُجدَّدٌ من نالبانديان، وآخرُ بتصميمٍ بسيطٍ من إيوان مكتبي، وطاولةٌ ذات سطحٍ عبارة عن قطعة خشبٍ ملويةٍ من غاليري XXe Siècle، ولمسةٌ من بلاط شعيا الحرفي في أرضية المطبخ المصمَّم من KLIF، ومكتبةٌ تبدو في ركنَي المعيشة والطعام من إعداد المصممين ندى برجي وإتيان بسطرمجي، مع بابٍ جرارٍ منفَّذٍ من الزجاج المموَّج، يفضي إلى المطبخ، وورق جدرانٍ مصممٍ حسب الطلب في غرف النوم».
وتابع نادر: «إضافةً إلى ذلك، هناك حمَّامُ الضيوف من تصميم Bowya Design، والرخامُ الفاخر في قاعات الاستحمام المُنتقى من Gaf and Co. وتبرز أيضاً صورٌ فنيةٌ ملتقطةٌ بعدسة غسان كتميتو، تزيِّن غرفة النوم الرئيسة، وثريا سبوتنيك كلاسيكية في غرفة الطعام. أما إضاءة المشروع، فتأتي بصورةٍ فنيةٍ من خلال LuxLab لصالح Lightbox، بينما أعمال البناء لـ Quadrature».
"المحادثةُ بين أساليب الديكور، تُمثِّل فرصةً لإشعال طاقاتٍ جديدةٍ في الفضاء المعماري"