دائماً أردد، وأعيد وأكرر، أن الناس تطالب صانع المحتوى بأن يكون طرحه عقلانياً وهادفاً ورزيناً، ولكنهم، مع الأسف، في الغالب، يساهمون في نشر وترويج وإرسال المقاطع الشاذة والغريبة والمبتذلة، لماذا؟
لا أملك الإجابة عن أسبابهم ودوافعهم في هذا الإرسال، والإجابة أتركها لكم. وحتى أدلل على كلامي، سأروي لكم القصة التالية:
قبل أيام، حين وصلت الأربعين، كتبت قصيدة أصف فيها هذه المرحلة، التي تعني النضج ووضوح الرؤية، مصداقاً لقوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً".
حين كتبت القصيدة كان من ضمن أبياتها:
هذه الحياة مفاتن لا تنتهي
وأنا على بستانها أتبطحُ
وكعادتي أرسلت القصيدة إلى صديقي المستشار الثقافي الكبير "عبد الله الحيدري" فقال: إن القصيدة روعة، ولكن، أتحفظ على كلمة "أتبطح".
فقلت له: إنها موجودة في القاموس، وهي عربية فصيحة.
فقال: ولكنها مبتذلة.
قلت: نعم؛ أنا أريدها مبتذلة، حتى يهتم بها أغلب الناس؛ لأنهم مع الأسف عودونا على الاهتمام بالأشياء المبتذلة، والأشياء السطحية، والأشياء الشاذة.
فقال: على بركة الله.
أما القصيدة فهي على الشكل التالي:
أقول في بدايتها..
لامستُ سنَّ الأربعين ولم يزلْ
قلبي طريٌ في البراءة يمرحُ
إن الحياة رواية وفصولها
عمري الذي بالفوز دوماً يفرح
هي قصتي كُتبت بحبر عزيمتي
وحماستي، والصدق فيها ينضحُ
جربتُ كلَّ محبةٍ وصداقة
ورجعت من دنيا الهوى أترنحُ
في الأربعين بدأت أدرك أنني
طفل على حبل الهوى أتأرجحُ
إن الحياة مفاتن لا تنتهي
وأنا على بستانها أتبطح
إن الحياة جميلة يا صاحبي
إن كنتَ في بحبوحها تتبحبح
أقضي الليالي وسط نوم هادئ
أما النهار ففي المعيشة أسبح
إني طويت الأربعين كقصةٍ
تمشي على سطح التراب وتسرح
وقرأت كل قصيدة ورواية
والآن في كتب العُلا أتصفحُ
في النهاية أقول:
يا قوم، هذه هي الأربعون، وهذه نتائجها وامتيازاتها وأحلامها وتطلعاتها، فما رأيكم؟!
أما كلمة أتبطح، فقد أدت هذه الكلمة المبتذلة مفعولها؛ لأنني حين نشرت النص في تويتر توقف الكثير من الناس عند هذه الكلمة بين مؤيد ومعارض، ألم أقل لكم إن أغلب الناس يحثون على العقلانية والهدوء في العلن، ويرسلون وينشرون الأشياء المبتذلة في السر والعلن .