التعلق بالماضي..

أحمد العرفج
أحمد العرفج
أحمد العرفج

#ناصية:

التعلُّقُ بالماضي، وإضاعةُ الوقتِ بالتفكيرِ في أحداثه، ومحاسبةُ النفسِ على ما حصلَ فيه، هو شكلٌ من أشكالِ الإعاقةِ التي تعيقُ تطوُّر الإنسان.

الحمد لله أنني لستُ من أصحابِ مقولةِ: (زمنُ الطيبين، أو حكاياتُ الزمنِ الجميل)، لأنني أعيشُ الحاضرَ، وأتمتَّعُ به، وأستفيدُ وأتطلَّعُ إلى المستقبل.. هكذا أتداولُ أيامَ حياتي.

ولقد تعلَّمتُ ذلك من أبي مسعود الهمذاني حيث يقولُ الذهبي القصَّة التالية:

(ذكرَ الإمامُ الذهبي رحمه الله في كتابه سير أعلام النبلاء في ترجمةِ مسعود الهمذاني، أنَّهُ كان من خيارِ الناسِ، وكان كثيراً ما يصفحُ عن الناسِ، ويغفرُ إساءاتهم، ويقولُ لهم: الماضي لا يُذكَر).

‏رؤيَ في المنامِ من أحدِ أصحابه بعدَ موته، فقال له:

‏«ما فعلَ الله بك؟».

‏فقال: «أوقفني بينَ يديه، وقالَ لي: يا مسعود، الماضي لا يُذْكَر، انطلقوا بهِ إلى الجنَّة».

يا قوم… الإنسانُ يتعلَّمُ من الماضي، ولا يتوقَّفُ عنده، ويعيشُ الحاضرَ، ويستمتعُ به، ويتطلَّعُ إلى المستقبلِ، ويُخطِّط له، هكذا إنه يعيشُ بثلاثةِ اتِّجاهاتٍ في وقتٍ واحدٍ. إنه مثل قائدِ السيارةِ الحكيمِ الذي يقودُ سيارته بالحاضرِ، وينظرُ إلى المستقبلِ ولا ينسى أن ينظرَ في المرآةِ الجانبيَّة ليرى ما خلفه حتى يستفيدَ منه، ويتحاشى وقوعَ الخطأ فيه، أو يتحاشى تكرارَ الخطأ الذي وقعَ فيه.

في النهايةِ أقولُ:

إن الإنسانَ السعيدَ الفاعل، يعيشُ في الحاضرِ، والإنسانُ لا يلجأ إلى ماضيه إلا إذا شعرَ بالحزنِ لتعاسةِ الحاضر، وقد اكتشفَ ذلك المعنى النابغة الجعدي حين قال:

تَذَكَّرْتُ شَيْئًا قد مَضَى لسَبِيلِهِ

ومِنْ عادةِ المَحْزُونِ أَنْ يَتَذَكَّرَا.