النخوة الفنية!

سهى الوعل
سهى الوعل
سهى الوعل

مع كل أزمة سياسية أو اجتماعية يشتعل العديد من المعارك الجانبية التي غالباً ما يكون الجمهور هو الطرف الأبرز فيها، كثيراً ما تحدثنا عن هذا الأمر سابقاً، لكننا اليوم نشهد معركة أكثر حدة على نجوم الفن والرياضة، معركة بحكم الجمهور ومن يشجعهم من الإعلاميين... وللأسف!

يفترض الجمهور أن النجومية التي يتمتع بمكاسبها الفنانون والرياضيون لها ضريبة، وعليهم سدادها إلى الأبد بالطريقة التي يرى أنها الأنسب، ويفترض أنه الأحق بتوجيه الفنانين والرياضيين مع كل حدث، ماذا يقولون وماذا يفعلون وكيف يرتبون أولوياتهم، وكيف يتعاملون مع المخاطر المحيطة بهم، ليس بواقع الحال حولهم، بل حسبما يرى هذا الجمهور، وفي حال لم يقابل النجوم مطالب الجمهور وتوجيهاته بالطريقة التي ينتظرها منهم فعليه أن يدفع الثمن غالياً.

هذا الجمهور الذي نتحدث عنه هو جمهور مواقع التواصل تحديداً، الجمهور المولع بفرض رأيه وليس بالمشاركة، الذي ينظر إلى هذه المواقع بوصفها أنها أفضل مكان لإحراج النجوم وفرض الآراء عليهم ومحاسبتهم، مثال على ذلك ما نقرأه من تعليقات على صفحات الفنانين والرياضيين مع الأحداث الأخيرة في المنطقة. فمن يلتزم الصمت ويتفاعل بطريقته بعيداً عن مواقع التواصل تتم معاملته تماماً كمن يقول رأياً مخالفاً أو صادماً، فكلاهما سيتعرضان للكثير من الإساءة، بينما من يطرح رأياً يتوافق مع آراء الجمهور فلن ينجو أيضاً، بل سيتعرض للملاحقة حتى يطرح هذا الرأي بطريقتهم ومفرداتهم، تماماً وكأنهم هم من يملكون هذه الصفحات وعلى أصحابها الفعليين أن يديروها بأمرهم.

يضع بعض نجوم الفن والرياضة مصلحته في الحسبان، التي من الممكن أن تكون غير مادية كما يراها الجمهور دائماً؛ حيث تفضل فئة منهم أن تتفاعل على أرض الواقع بعيداً عن مواقع التواصل لأنها الطريقة الأجدى برأيهم، بعكس فئة أخرى تفضل أن تتفاعل بشكل غير مباشر ربما حرصاً على أمان عائلاتهم والمقربين منهم، في حين تفضل فئة ثالثة ألا تتفاعل أصلاً لأسباب ربما تعود إلى مخاوف أو قناعات معينة، ولذلك تختار الانعزال لفترة .. وهو أمر مفهوم طبعاً طالما أنه قرار لم يتم الإضرار بسببه بمصلحة أي أحد.

النخوة الفنية كما يراها الجمهور هي أن تفعل بالضبط ما يرون أنه الأنسب وإلا ستوصف بـ (الجبن)، حتى إن كان اختيارك أن تصمت لكي لا تؤذي نفسك أو مشاعر الآخرين، وفي حال توجهت إلى هذا الجمهور متسائلاً عما يريده منك فعلياً لإرضائه، فلن تخرج بإجابة محددة. فالمطلوب هو أن تتفاعل إنسانياً بكل الطرق بغض النظر عن مصلحتك ومصلحة عائلتك الإنسانية!

يفوق التوتر الذي تشهده المنطقة أخيراً حجم ما شهدناه من توترات سابقة، ربما منذ بداية الألفية الجديدة، وكل شيء رافق هذا التوتر جاء مضاعفاً، وهو الأمر الذي انقلب بسببه النجوم على بعضهم، المكاسب والخسائر هنا مضاعفة، والجميع يرغب في إرضاء الجمهور؛ ما يثبت فعلياً أنه لا توجد صداقات حقيقية في هذه الأوساط مهما أوهمونا بذلك. ومع حجم الأزمة التي لن تتعافى المنطقة منها سريعاً، فإن المياه ستعود تدريجياً بطبيعة الحال إلى مجاريها بين نجوم هذه الأوساط مع مرور الوقت، أما الأمر الوحيد الذي تصعب عودته فهو الثقة بينهم وبين بعضهم بالدرجة الأولى، ومن كان يعمل بحذر سابقاً سيعمل بحذر مضاعف لاحقاً، وأعتقد أنه لا يمكن لوم أي منهم على ذلك بعد الآن.