انبهر بـرقة

مها الأحمد 
مها الأحمد
مها الأحمد

«الانبهار الرقيق» مصطلح جعلني أبتسم متشككة ومنبهرة، وحينما عرفت ما يعنيه مرت أمامي مشاعر لم أعرف مصدرها في السابق، ومشاهد زادت قلبي دفئاً.

أدركت ما الذي دفع بكل فوضاي للاطمئنان فجأة في أحد الأيام، وما هو السر في إصابتي بالسعادة المفرطة مساء يوم آخر، لدرجة أن تلتصق بابتسامتي كل علامات السلام النفسي، الذي عادةً أصل معه إلى مرحلة التسامح المطلق المؤقت عن كل المنغصات والآلام.

أنبهر لدرجة أشتاق فيها إلى من رحلوا من دون حزن يبكيني، أتذكر ذكرياتي معهم، وكأنهم في الغرفة المقابلة لغرفتي ولم تفارقني أنفاسهم.

وجدت أخيراً إجابة لسبب الكهرباء التي تسري في جسدي بعبث كل مرة أسافر فيها، والتي لم تزعجني يوماً، بل على العكس أثارت في داخلي مشاعر الحماسة.

ما هو هذا الانبهار الرقيق من نوعه الذي يصيبنا، ويحصل في كل يوم وفي كل نقطة في هذا العالم!

أطلق هذا المصطلح الزوجان ستيفن وريتشل كابلان، وكانا أستاذي علم نفس في جامعة مشيجان، بعد ملاحظتهما للطبيعة كيف تعمل كالبطارية التي تشحن احتياطي الانتباه المحدود الذي يملكه عقلنا، وكيف يمكنها أن تساعدنا في المضي قدماً لنبدع ونعمل بكل طاقتنا على الأمور الصعبة، والمشاعر العالقة.

الانبهار الرقيق يحدث حينما ننجذب بلطف للطبيعة، وللبيئة التي تحيط بنا، فنأخذ منها أحد المشاهد المثيرة تذكاراً.

كـأن نكون حاضرين لحظة الغروب قريبين جداً من الشمس حينما تتأهب للرحيل أو العودة، أن نستمع لصوت المطر، ونحن ننظر إليه من نافذة كبيرة، خلفها أشجار خضراء مزدحمة، تتمايل وتلوح لنا لننظر إليها هي الأخرى، أو أن نلاحق صوت موسيقى يعبرنا ويزيد قوة كلما اقتربنا منه، لنجد أن هناك من يعزف أغنيتنا المفضلة على رصيف ذاك الشارع الكائن في بلد هبطنا لتونا فيه، وكان هذا حدث ساعتنا الأولى، فشعرنا فجأة بالانتماء إلى كل شبر فيه.

قصيدة شعر أكلت بشغف جزءاً من قلبنا كان جافاً، عرض موسيقي أصابنا بالقشعريرة.

هذا النوع من الانبهار والكثير من هذه المشاهد والصور كلها تدعى بــ "الانبهار الرقيق"، الذي حينما نتعرض له يجعل ثرثرتنا الداخلية تهدأ، ونستطيع بعد التعرض له أن نقوم باستكمال أكثر أعمالنا فوضى، ونعود بتركيز أعلى، وبذهن أصفى، فهي تزيد شاعرية الشاعر، وتمنح الفنان ألواناً استثنائية ليكمل رسمته، وترمي بلطف للكاتب فكرة مقاله الجديد، وتُهدي للروائي النهاية المتأخرة حتى يختتم بها قصته.

إذا لم تستطع أن تنبهر مصادفة، فابحث عما يبهرك، كأن تخصص مساحة صغيرة خضراء في مكانك، أو تشاهد فيلماً مليئاً بالألوان المبهجة تم تصويره في مدن عدد الأشجار فيها أكثر من السكان، تمشي في حديقة قريبة منك، تختار الطريق الأبعد لكن الأكثر خضرة وأنت ذاهب إلى عملك، هناك انبهارات عديدة حولك، ما عليك إلا أن تجعلها تعترض طريقك برقة.