الوَطَن، هو تِلك المِسَاحَة الجُغرَافيّة مِن الأَرضِ؛ التي أصبَح بَينك وبَينها رَوابِطُ مُشتركةٌ، تُغذِّي شعُورك كُلَّما شَعرتَ باليَأس، وتُشبِعك حِين تَحسّ بالجُوع، وتَأنَس بِهَا حِين تُداهمكَ الغُرْبَة. إنّ الولاء للوطن شعورٌ يُستلهم، وليس مشاعرَ تُتقيّأ، إنّه سلوكٌ يُتمثّل، وليس مزايدةً تتبدَّل، إنّه محبّةٌ تشعُّ، وليس منافقةً تُغتصب!
أمَّا الوَطنيّة، فهي مَفهومٌ، يَستهدف السّلوك والتَّطبيق، لَا النَّظريّة والتَّصفيق.. الوَطنيّة شعُورٌ خَفي، يَنعكس عَلى سلُوكك، وقد جاء في تعريف الوطن من خلال مادّة (وطن) في لسان العرب التي تقول: (الوطن هو المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحلّه، والجمع أوطان، يقال: وَطَنَ بالمكان وأوطنَ: أقام. وأوطنه: اتّخذه وطناً، يُقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا: أي اتّخذها محلّاً ومسكناً يقيم فيها.). ويقول ابن خلدون في مقدّمته الشّهيرة: (وكلّ أمّة لابد لهم من وطن). فالوَطن حَبيب، ومِن هُنَا جَاءت الأُغنية الشَّهيرة: (وَطني الحَبيب وهَل أُحب سوَاه)..!
إنَّ الوَطن مِلكٌ للجَميع، ولَا أَحَد يُزايد بِهِ عَلَى الآخَر، ولَا يَجب أن يُزايَد بِه أَحَدٌ عَلى غَيره، فالنَّاس مُتسَاوون في الوَطنيّة؛ مَا لَم يَثبت عَكس ذَلك، ويُفترض ألَّا يَعبث أَحَدٌ بهَذا المَفهوم، ولَا أنْ يَستغله بَعضهم ضِد بَعضهم الآخَر، كتُهمة التَّخوين، أو ضَعف الوَطنيّة، حتَّى لَا يَفلت مِن يَدنا هَذا السِّلاح، ويُصبح الكُلّ ضِد الكُلّ..!
إنَّني أُردّد دَائماً مَع الأَديب الكَبير، أو "الدَّكَاترة" زكي مبارك حِين قَال: (لَا أُحب أنْ يَسبقني أَحَد في حُب الوَطن). مِن هُنَا دَعونا نَتسَابق في حُب الوَطَن، لَكن مَا لَا يعجبني في "الدّكاترة" زكي مبارك عِبَارته الشَّهيرة حِين قَال: (لَا أَحَد يُحب وَطنه كَما أُحبّه أنَا)..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بقي القول: إنّ الوطنيّة الصّادقة، هي سلوكٌ يُمارس، وأفعالٌ تنفّذ، ومسلكٌ يُتقدّى به، ومشاعرُ تشعّ ولا تظهر، وأحاسيسُ تفوح ولا يباح بها. إنّها اعتقادٌ بالقلب والوجدان، وعملٌ بالواجبات والأركان، وليست قولاً باللّسان. إنّ بَوابات حُبّ الوَطن مَفتوحةٌ للجَميع، فليَتسَابق إليهَا الدَّاخِلُون.