أطرحُ هذا السؤالَ، لأن المنافسةَ على الصدارةِ، كانت بين هذَين الفيلمَين بالذاتِ، حيث بقي "احكي يا شهرزاد"، وهو من بطولةِ ممثِّلةٍ، متربِّعاً على رأسِ قائمةِ الأفلامِ الأكثرِ تحقيقاً للإيراداتِ منذ عامِ 2009، حتَّى جاء "رحلة 404" في 2024 ليُطيحَ به، ويحلَّ محلَّه في القائمةِ.
بمعنى آخرَ.. منى أخذت بنصيحةِ أحمد حلمي في فيلمِ "جعلتني مجرماً"، فأكلت نفسها قبلَ أن يأكلها أحدٌ آخرُ.. وبالطبعِ، هي الممثِّلةُ الوحيدةُ القادرةُ على منافسةِ نفسها، ووجودُها في الصدارةِ للمرَّةِ الثانيةِ، ليس مستغرباً، فالمسافةُ بين منى وبين بقيَّةِ الممثِّلاتِ كبيرةٌ جداً، ليس لأنها الأفضلُ من ناحيةِ الأداءِ، بل لأن تجربتَها، هي الأكثرُ تنوُّعاً، ما نتجَ عنه ممثِّلةٌ مخضرمةٌ، عميقةٌ، بعيدةُ النظرِ، وقادرةٌ على تطويرِ نفسها مع كلِّ ساعةٍ، وليس فقط مع كلِّ عملٍ.
لكنْ، ومن ناحيةٍ فنيَّةٍ، هل كان "رحلة 404" أفضلَ من "احكي يا شهرزاد"، ليُطيحَ به في أقلّ من شهرٍ؟
في رأيي، "احكي يا شهرزاد" أفضلُ فنياً وبمراحلَ، فالإيقاعُ مثاليٌّ، والمنافسةُ التمثيليَّةُ شرسةٌ، ونتجَ عنها عشراتُ مشاهدِ "الماستر" على خلافِ المعتادِ، أمَّا الحبكةُ فلم تعتمد، ولو لمرَّةٍ واحدةٍ، على الحظِّ، أو الصدفةِ. في "احكي يا شهرزاد" كلُّ شيءٍ مبرَّرٌ.. حتَّى الجرأةُ، التي أزعجت بعضهم، كانت مفهومةً، وفي مكانِها ووقتِها الصحيحَين.
"رحلة 404" أيضاً، تمتَّع بإيقاعٍ مناسبٍ وغير مُملٍّ، وبمنافسةٍ تمثيليَّةٍ قويَّةٍ، وحبكةٍ جيدةٍ، كان من الممكنِ أن تكونَ أفضلَ، وتُعطي مشاهدَ "ماستر" أكثر.. إذ اعتمدت الأحداثُ على الصدفةِ أكثرَ من مرَّةٍ، بينما غابت المبرِّراتُ أحياناً.
مشكلةُ "رحلة 404"، كانت في المنطقِ، فالفيلمُ، في رأيي، استطاعَ أن يلعبَ، وبقوَّةٍ، على العاطفةِ الدينيَّةِ. منى تتحدَّى كلَّ الظروفِ، لتحافظَ على توبتها، بينما تُواجه كثيراً من التحدِّياتِ القاسيةِ، والجمهورُ بدوره، يُشاهدُ الفيلمَ، ويخوضُ معها هذا التحدِّي، ويأخذُه على محملِ الجدِّ، ويقومُ بـ "شخصنتِه"، في حين يغيبُ المنطقُ عن عديدٍ من الأحداثِ، فالكلُّ يرغبُ في المساعدةِ على الرغمِ من أنها ليست شخصيَّةً حنونةً، أو سهلةَ المعشرِ! وفي كلِّ مرَّةٍ تفشلُ محاولاتُها لأسبابٍ طارئةٍ، وهنا تكمنُ المشكلةُ فعلاً.. في الحبكةِ.. التي كان من الممكنِ أن تكونَ أفضلَ بكثيرٍ.
كلُّ هذا لا يعني أن "رحلة 404"، لا يستحقُّ النجاحاتِ التي حقَّقها، فهو في النهايةِ فيلمٌ جيدٌ، وتمَّ إطلاقه في توقيتٍ مناسبٍ جداً، وسطَ كثيرٍ من الأفلامِ العشوائيَّةِ والتجاريَّةِ التي ملَّ منها الجمهورُ، وبعيداً عن أي موسمٍ.. حيث يبحثُ المشاهدُ عن فيلمٍ جميلٍ وفقط.. يفصلُه عن الواقع.