شهدت ساحة الدراما المصرية في الآونة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لنوعية المسلسلات القائمة على الجرائم الواقعية، التي تحقق نجاحاً جماهيرياً واسعاً، وتثير جدلاً دائماً بين مؤيد ومعارض، يعتبر هذا النوع من المسلسلات، الذي يلامس ملفات الجرائم الحقيقية، بمثابة إضافة جديدة للدراما المصرية، وقد أثبتت هذه الأعمال قدرتها على جذب الجمهور خلال الفترات الزمنية المختلفة، خاصة في موسم "الأوف سيزون".
مسلسل "سفاح الجيزة": البداية الحقيقية لمسلسلات الجريمة الواقعية
يعد مسلسل "سفاح الجيزة"، الذي تم عرضه في سبتمبر 2023، البداية الفعلية لهذا النوع من المسلسلات في الدراما المصرية، المسلسل استوحى أحداثه من قصة حقيقية لقاتل متسلسل كان قد تم الحكم عليه بالإعدام في 2021، وبالرغم من أن مسلسل سفاح الجيزة استند بشكل أساسي إلى التحقيقات الرسمية، إلا أن صناعه أكدوا أن هناك العديد من الإضافات التي تم تقديمها من وحي خيال المؤلف، مما جعل المسلسل يثير اهتماماً واسعاً.
"حدث بالفعل" وتوسيع دائرة الجرائم الواقعية
في ديسمبر 2023، بدأ عرض مسلسل "حدث بالفعل"، الذي تناول قصصاً حقيقية لمرضى نفسيين تحولوا إلى مجرمين، المسلسل جمع قصصاً من تسع دول عربية، وتناول إحدى الحكايات الأكثر مشاهدة التي تمحورت حول النجمة غادة عبدالرازق، وعلى الرغم من تنوع القصص التي تطرق إليها، إلا أن مسلسل "حدث بالفعل" أثبت نجاحه في جذب جمهور كبير، مشيراً إلى نجاح نوعية هذه المسلسلات المصرية في التأثير على المشاهدين، سواء في مصر أو في الدول العربية بشكل عام.
مسلسلات الجريمة في رمضان 2024
نجاح المسلسلات السابقة في فترة الأوف سيزون دفع العديد من المنتجين إلى التفكير في تقديم أعمال مشابهة في رمضان 2024، ومن بين هذه الأعمال، برز مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"، الذي يتناول قصصاً واقعية لبنتين انتهت حياتهما في السجن، هذا النوع من الدراما الواقعية بات يحظى باهتمام متزايد، خاصة في ظل القبول الكبير من الجمهور لهذا النوع من القصص.
إليكم أيضاً: من بينها ساعته وتاريخه وموعد مع الماضي.. دراما الجريمة تكسب الرهان
"القصة كاملة".. برنامج يتحول إلى مسلسل درامي
من بين الأعمال المنتظرة في هذا السياق، يأتي برنامج "القصة كاملة" للإعلامي سامح سند، الذي يتم تحويله إلى مسلسل بالعنوان نفسه، وكان سامح قد أعرب عن سعادته بهذه الخطوة، مؤكداً أنها كانت تمنيه منذ فترة طويلة، هذا التحول يعكس الاهتمام المتزايد من صناع الدراما بتحويل القصص الواقعية إلى أعمال درامية تحقق نسب مشاهدة عالية.
سر جاذبية مسلسلات الجريمة الواقعية
الناقد الفني رامي متولي أوضح أن جاذبية هذه النوعية من المسلسلات تكمن في أنها تقدم إضافة وتنوعاً للدراما المصرية، خاصة في ظل اهتمام الجمهور بهذه النوعية من القصص المثيرة، وأضاف متولي أن نجاح هذه الأعمال يعود إلى قدرتها على جذب المشاهدين من خلال تقديم تجارب حياتية واقعية، مما يخلق حالة من التفاعل والاهتمام بين الجمهور والدراما.
مسلسلات جريمة الواقع تأخرت
واعتبر متولي، أن انتشار مسلسلات جريمة الواقع في الوقت الحالي أمر طبيعي للغاية، مشيراً إلى أنها تحقق نجاحات كبيرة وقاعدة جماهيرية واسعة، مضيفاً أن هذه النوعية من الأعمال جاءت متأخرة؛ إذ كانت الدراما التليفزيونية المصرية لفترة طويلة محصورة في إطار الدراما الاجتماعية ولم تستكشف أنواعاً أخرى من القصص، وأوضح متولي في حديثه لـ"سيدتي . نت" أن الإنتاج التلفزيوني كان يدور في "دائرة آمنة" فيما يتعلق بموضوعات المسلسلات، ولكن مع تعدد الأصوات المنتجة وزيادة منصات العرض، أصبح هناك مساحة لظهور هذه النوعية من الأعمال.
مسلسلات جرائم الواقع ليست جديدة
وأشار إلى أن الاهتمام بقصص الجرائم ليس جديداً؛ إذ كانت صفحات الحوادث في الصحف تحظى بمتابعة كبيرة، وهناك جرائد كانت مخصصة للحوادث فقط، مضيفاً أن هذا الاهتمام تطور اليوم بفضل الوسائل الجديدة مثل السوشيال ميديا والبودكاست، مستشهداً ببرنامج سامح سند الذي يناقش الجرائم الحقيقية بدقة والذي تم الإعلان عن تحويله إلى مسلسل.
كما لفت متولي إلى أن هذا النوع من الأعمال له جذور تاريخية في الدراما المصرية، مثل فيلم زوجة رجل مهم الذي استوحى فكرته من خبر شاهده المخرج محمد خان في إحدى الصحف، مؤكداً أن هذا النوع يحظى بشعبية كبيرة أيضاً في الدراما والأفلام الأجنبية، متوقعاً أن يسهم في تجديد الصناعة بفضل تنوعه وتقديمه لأفكار جديدة.
تأثير الدراما على المجتمع
قال الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع، إن الإجابة عن سؤال تأثير الدراما على المجتمع تتطلب مناقشة ثلاث وجهات نظر رئيسية، مؤكداً أن النظرية الأولى ترى أن الجمهور يتأثر بشكل مباشر بمحتوى الأعمال الدرامية، حيث يُفترض أن المشاهدين متلقون سلبيون قد يقلدون السلوكيات التي يشاهدونها، وأضاف المصري في تصريحات لـ"سيدتي. نت" أن هذه الفكرة تواجه انتقادات، حيث يرى البعض أن الحياة اليومية للأفراد أكثر تعقيداً، ويتأثر سلوكهم بعوامل شخصية واجتماعية متعددة.
تأثير محدود على الفئات الهشة
وأضاف أن الرأي الثاني يشير إلى أن التأثير السلبي لمشاهد العنف والجريمة في الدراما يقتصر على الفئات الهشة مثل من يعانون من اضطرابات سلوكية أو مشاكل نفسية، حيث يكون هؤلاء أكثر عرضة لتقليد ما يشاهدونه، نظراً لعدم قدرتهم على التمييز بين الواقع والخيال، مضيفاً أن هذه الفئة بحاجة إلى حماية خاصة من التأثيرات السلبية للدراما، إن النظرية الثالثة ترى أن التأثيرات الناتجة عن مشاهد العنف والجريمة تكون تراكمية وطويلة المدى، حيث إن التعرض المستمر للأعمال الدرامية التي تحتوي على هذه المشاهد قد يؤدي إلى تغييرات في طريقة تفكير الناس وسلوكياتهم مع مرور الوقت، مضيفاً أن هذا قد يجعل العنف جزءاً من أسلوب حياة البعض.
الحلول لمواجهة التأثيرات السلبية لمشاهد العنف
وأشار إلى أن الحلول لمواجهة التأثيرات السلبية للمشاهد العنيفة في الدراما لا تشمل المنع الكامل أو حذف المشاهد، بل يجب أن تكون هناك إجراءات بديلة تساعد في تقليل هذه التأثيرات، موضحاً أن بعض هذه الإجراءات تشمل ضرورة مشاركة الجمهور في التقييم النقدي للأعمال الدرامية، من خلال شرح هدف العمل وما يريد توصيله من رسائل، مما يساعد في خلق مسافة بين الخيال والواقع، مضيفاً أن هذا التفاعل يمكن أن يعزز وعي الجمهور بتمييز الخيال عن الواقع، وقال إنه يجب التركيز على السياق الذي يظهر فيه العنف والجريمة بدلاً من إبراز الفعل الإجرامي بهدف الإثارة، مؤكداً على أهمية التفاوض مع فرق العمل حول كيفية تقديم مشاهد العنف بما لا يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المشاهدين.
إرشادات تنظيمية لفريق العمل الدرامي
أضاف المصري، أنه يجب وضع إرشادات تنظيمية لفريق العمل في صناعة المحتوى الدرامي، مثل كتابة السيناريو والممثلين والمخرجين، لتحديد معايير يمكن أن تضمن احترام تأثيرات المحتوى على الجمهور مع الحفاظ على حرية الإبداع، مردفاً: "من الإجراءات المهمة وضع رسائل تحذيرية قبل عرض الأعمال الدرامية، تشير إلى أن هذه المشاهد قد تحتوي على العنف ولا تعكس الواقع، مما يساعد الجمهور على أن يكون أكثر وعياً بالفرق بين الخيال والواقع".
كما أكد المصري على أهمية فرض قيود عمرية وتصنيف الأعمال الدرامية بما يتناسب مع فئات المشاهدين، مما يسمح لهم باتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ما يشاهدونه ويحد من تأثيرات المشاهد العنيفة على فئات معينة، مضيفاً: "أن السياسة الإعلامية يجب أن تتجه نحو تنوع الموضوعات بدلاً من التركيز على مشاهد العنف والجريمة بشكل مستمر، مما يساعد في الحيلولة دون تأثير نمط واحد على المشاهدين".
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا "إنستغرام سيدتي".
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا "تيك توك سيدتي".
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر "تويتر" "سيدتي فن".