هاربة من الحزن
سيدتي أعرّفك بنفسي، أنا طالبة في المرحلة الثانوية، في السابعة عشرة، لا أدري كيف أصف لك حياتي في البيت، أمي عصبية بسبب مشاكلها مع الوالد وهو أيضا يعيش في ظل الضغوط، خاصة بعد أن دخل في الخمسين، كل يوم مشكلة وهو لا يكلمنا أبدا في أي شيء يخصنا، كالدراسة مثلا، كل ما يفكر فيه هو نهاية العالم ومشاكله مع أمي، كلاهما مشغول بالآخر، النتيجة هي أنني أصبحت حساسة أكثر من اللازم، وأصبحت أبكي كلما سمعت صراخهما.
أعترف أنني لجأت للحب لكي يهون عليَّ حياتي، وفي النهاية وجدت الشخص الذي يناسبني عن طريق إحدى مجموعات الإنترنت، هو أكبر مني بعام، وكثيرا ما فكرت في مصير هذا الحب، وهل يمكن أن ينتهي بالزواج، خاصة والشاب من بلدي ومن أقاربي أيضا ولكن من بعيد، المشكلة هي أن الحب عندنا عيب، إلا بعد الزواج، مع العلم أنني لم أقابل الشاب ولم أكلمه بالهاتف، لأنني قررت ألا أتخطى الحدود، ولم ير أحدنا الآخر إلا في الصور، أشعر أنه صادق لأنه أخبرني عن والديه وإخوانه وقال لي إنه يتمنى أن نتزوج.
أنا حائرة، هل أكمل مع الشاب لأنني لا أجد شيئا جميلا في حياتي سوى علاقتي معه؟ من دون هذا الحب تبدو الحياة كئيبة وخالية من الحنان، أنا خجولة جدا ولا أجد من أتكلم معه لأن حياتنا مشوشة، أتمنى أن أتزوج من أحب لكي تصبح حياتي مستقرة، أعرف أنني صغيرة ولكن يمكن أن تصبح حياتي أفضل بعد الزواج، فما رأيك؟
ابنتك غ، م.
عزيزتي في مثل عمرك تبدو المشاكل أكبر بكثير من حجمها الطبيعي؛ لأنها مرحلة عمرية طابعها الانفعال والترقب والحساسية المفرطة، وأفضل طريقة للتعامل مع مشكلة هي تحليلها والتعرف إلى مكوناتها، من الواضح أن مشاكل الوالدين تسبب لك قلقا وعدم استقرار نفسي، وهذا طبيعي، لأنك مازلت تنظرين إلى نفسك كامتداد لوالديك، إلى أن يتحقق لك الاستقلال النفسي الذي يأتي مع اتساع رقعة التجارب واكتساب الثقة الذاتية والقدرة على اتخاذ القرار المستقل، مشاكل الوالدين هي مشاكلهما ولو لم يكن في زواجهما عناصر إيجابية لما استمر وأثمر عن الصبيان والبنات، تأكدي أن عدم اهتمام والدك بسؤالك عن الدراسة ليس نابعا من قلة اهتمامه بك أو قلة حبه لك، وإنما هو انعكاس لثقافة اجتماعية توحي له بأن الأم هي المسؤولة عن تنشئة الفتيات والاهتمام بكل ما يخصهن.
من المهم ألا تعلقي بحثك عن الحب عبر النت، على شماعة مشاكل الوالدين، في مثل عمرك ينشط الفضول للجنس الآخر، والإنترنت هي بوابة العبور، ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرّة، وكثيرا ما تقع الفتيات في شَرَك الكلام المعسول ولا يجنين إلا مرارة الندم والخذلان.
ولكن قريبك الذي تحبين في مثل عمرك، وأمامه شوط طويل قبل أن يصبح مستعدا لتحمل مسؤولية الزواج، قد يكون صادقا حين يقول إنه يتمنى أن تتزوجا، ولكن التمني شيء والواقع شيء آخر، في الوقت الحالي يجد كل منكما في الآخر نوعا من العزاء والسلوى؛ لأن المشاكل لم ترفع رأسها بعد، حين تكملين دراستك الثانوية قد تلتحقين بالجامعة وتتسع دائرة خبراتك واحتياجاتك ويتحول اهتمامك إلى اتجاهات أخرى، وحين يحدث هذا، يصبح الوعد الذي قطعته على نفسك محرجا، وقد يطال التغيير الشاب أيضا، فيجد نفسه شاعرا بالقلق، لأنه لا يريد أن يجرحك ولكنه يريد الفكاك من القيد.
حين تقولين إن الحب عيب قبل الزواج، لعلك لا تدركين أن الخطوط الحمراء رسمت لحماية الجنسين من الوقوع في القلق والخطأ إذا اندفع احدهما وراء المشاعر الفياضة قبل أن تنحسر في مرحلة أكثر نضجا، وحين تقولين إن الحياة دون هذا الحب سوف تكون كئيبة وخالية من الحنان، ربما لا تدركين أنك جعلت من هذا الحب حبة أسبرين تعتقدين أنها سوف تشفيك من الصداع العاطفي الذي يسببه الوضع في البيت، ولكن حين يزول الصداع بزوال المؤثر، لن تشعري باحتياج لحبة الأسبرين.
لقد سألت عن رأيي في الحياة بعد الزواج، وجوابي هو أن الحياة أفضل بعد الزواج ولكن إذا توفرت للزواج عناصر النجاح، ومنها وصول الطرفين لسن النضج الذي يؤهلهما للاختيار، وإذا توفرت الكفاءة عند الزوج لتحمل المسئولية، وتوفر للزوجين التفاهم والانسجام والتكافؤ الاجتماعي.
نصيحتي هي أن تصبري، وأن ينصبّ اهتمامك على الدراسة وتحسين العلاقة مع أخواتك وتكوين صداقات في المدرسة مع زميلاتك، النجاح في هذه المرحلة من الحياة هو إكسير الثقة والسرور.
اخرجي من عزلتك
سيدتي أتمنى أن تساعديني، أنا سيدة متزوجة منذ عامين ولي ابن عمره سنة، أعاني من روتين الحياة، حيث إني أعيش في أميركا، في مدينة لا يوجد بها إلا القليل من العرب، زوجي يُمضي أغلب الوقت في العمل، إلى جانب أن حياتي معه خالية من الرومانسية، زوجي جاف في معاملته لدرجة أنني أصبحت مثله، أبادله جفافا بجفاف، أصبحنا نتشاجر على أتفه الأمور؛ لأنني في حالة نفسية سيئة، لا أعرف ماذا أفعل، اجتمعت كل الأمور بحيث إنني أشعر بفراغ، ولا أعرف كيف أتعامل مع زوجي، إلى درجة أنني أفكر في الانفصال، ولا يمنعني سوى الخوف من نظرة المجتمع، والخوف من أهلي، لقد تعبت وفقدت طعم السعادة، أرجوكِ ساعديني.
الحائرة روناك
عزيزتي بعد أن قرأت رسالتك، شعرت بأن العزلة هي السبب في كل مشاكلك، أريد أن أنبهك إلى خطأ تقع فيه كل النساء في مرحلة الشباب، وهو التصور بأن الرجل سوف يأتيك حاملا بيده كل مفاتيح العدل والحكمة والسعادة، ولكن الحقيقة أنه أيضا إنسان يبحث عن السعادة، إنسان يأتي محملا بتجارب خلّفت عنده عقدًا نفسية وقلقا وهموما داخلية، وبالطبع المغترب أسوأ حالا من المقيم في بلده وسط أهله وناسه، ولذلك أعتقد أن المعاملة الجافة هي انعكاس لما يعانيه زوجك في موقع العمل في مدينة أميركية ليس بها عرب، فهو يشعر بالخوف والوحدة وضرورة إثبات الذات، وحين يعود إلى بيته يتلقفه إحساسك بالظلم ويخيم عليكما الصمت والعبوس.
كيف يمكن أن تكون هذه العلاقة رومانسية؟ لا يمكن لو لم تحاولي أن تنفضي عنك الإحساس بالظلم وبأنك ضحية، مادمت تعانين من الفراغ، لابد أن تكون لك حياة شخصية مستقلة عن حياتك الزوجية، لك طفل فلم لا تبحثين عن الحضانة المحلية وتقومي بزيارتها لعلك تلتقين بأمهات لأطفال في مثل عمره، يمكن أن تتواصلي معهن وتتبادلن الزيارات في الصباح، هل يمكن أن تدرسي اللغة؟ إجادة اللغة هي أقصر الطرق للتغلب على الإحساس بالغربة، وإن لم ترق لك دراسة اللغة، فادرسي تنسيق الزهور أو إعداد الولائم أو أي نوع من الدراسة التي تناسبك.
لا تفكري في الطلاق؛ لأن الطلاق في هذه الحالة هو إعلان الإفلاس، أشركي زوجك في حياتك مع الطفل، التقطي له الصور حين يخطو أولى خطواته، أو حين ينطق بالكلمة الأولى، تواصلي مع أهلك وأهله بالتليفون؛ لأن هذه الأمور تضاعف الإحساس بالحميمية بين الزوجين، لقد حان الوقت لكي تكوني شريكة بالنصف، لا آلة صماء في انتظار العازف.
الأب الظالم
سيدتي أنا فتاة في الثانية والعشرين، منذ كنت طفلة وأبي دائم الغياب عنا بسبب عمله، وبعد سنوات، تزوج سكرتيرته الآسيوية وقبلت أمي مرغمة، ولكن أبي تغيّر، فكان إذا جاء لزيارتنا ظهرت عليه آيات النفور مني ومن أمي، حتى إنني سمعته يقول لأمي ألا تسمح لي بالجلوس معه على طاولة الطعام لأنه لا يطيق أن ينظر إليّ!! وفي ذلك الوقت شعرت أمي بأن زوجته أوقعته تحت تأثير سحر خبيث، بعد أن كبرت تعرفت على شاب من أقارب أبي، عوضني كثيرا عن كل ما فقدت من حنان، وهو شخص محترم وملتزم دينيا، تقدم لخطبتي أكثر من مرة وكلمت والدته أبي ووعدته بأن يكون ولدها خير زوج لي، ووعدها أبي خيرا، ثم عاد فرفض دون إبداء أسباب، ما يعذبني هو أن أبي لم يهتم بتربيتي وظل غائبا عن حياتي سنين طوال، وحين سُئل أبي عن أسباب الرفض ادعى أنه سمع ما لا يسر عن سمعة الشاب، وعندها تدخل أخي الذي يعمل في نفس دائرة عمل الخاطب، وأكد لأبي أن كل ما سمعه هو تلفيق بعيد عن الواقع، ومع ذلك ظل أبي على رفضه.
أنا الآن بين نارين، وأفكر في الذهاب إلى المحكمة لكي يعقد قراني على سنة الله ورسوله، ولكني خائفة لأني لم أقف بوجه أبي أبدا، خوفا من عصبيته، ولكن إلى متى سأظل بلا شخصية؟
الحائرة خالدة
عزيزتي إذا كان أبوك قد أخطأ في اختياراته وأهمل واجبه كأب، فهذا لا يعطيك مبررا لكي ترتكبي خطأ في حق نفسك، المرأة التي تعصي أهلها وتتزوج رغما عنهم، تحرم نفسها من الاستقرار النفسي مع زوجها، لأن الزوج لا يثق بامرأة تضحي بأهلها وبالأعراف والأصول من أجل الحب، أنا لا أقول إن أباكِ على حق، بل إن العكس صحيح، لأن من واجبه أن يتحقق من كل كلمة قيلت في حق خاطبك، قبل أن يرفضه كزوج لك.
وحين تقولين إنك تريدين الذهاب إلى المحكمة لعقد القران حتى لا تظلي بلا شخصية، أقول لك إن قوة الشخصية لا تعتمد على مثل هذا السلوك، قوة الشخصية هي القدرة على المواجهة، وإقناع الآخرين بوجهة نظر صائبة، خوفك من عصبية أبيك لن يمنعك إذا قوّيت قلبك من أن تقولي له إنك موافقة على الزواج بهذا الخاطب، وإنك تتمنين أن يتحقق من صحة ما سمع عنه، قبل أن يرفض الخطبة، وأين أمك في هذا الموقف؟! لقد صبرت على زوجها فلا أقل الآن من أن تقف معك وقفة الأم المدافعة عن حق ابنتها في زواج يرضيها.