مسؤولية الأم
سيدتي أنا سيدة عربية مقيمة مع أسرتي في دولة أوروبية، صادفتني مشكلة خاصة بابنتي وهي في الثانية عشرة، ابنتي وصلت سن البلوغ، وجاءتها الدورة للمرة الأولى، فلم تستشرني في شيء، وإنما استشارت إحدى زميلاتها في المدرسة، وفهمت من الزميلة أنه يجب استعمال عازل يحميها أثناء ممارسة الألعاب الرياضية، ولا يؤثر عليها في شيء، ويساعدها على نظافة ملابسها، هذا العازل أسطواني لا يزيد سمكه على سنتيمتر واحد، ويدخل إلى الجسم، وله خيط يساعد على إخراجه وتبديله عند اللزوم، وبعد عدة أيام، اكتشفت الواقع، وخفت على ابنتي من فقدان بكارتها، وفكرت في سؤالك لعلك تسألين طبيبًا نسائيًّا لوجه الله، لكي يطمئن قلبي، لقد حُرمت من النوم وأخشى أن أصحبها إلى طبيب لأنهم هنا لا يهتمون بتلك الأمور، وقد أتعرض للسخرية، أتمنى أن تساعديني حتى لا أفقد أملي.
الأم المغتربة س.ك
عزيزتي سأبدأ أولاً بالأمر العام وهو مسئولية الأم التي تقترب ابنتها من سن البلوغ، البنت تمر بتغيرات محيرة ومقلقة ومخيفة أحيانا، ولا تجد لها تفسيرًا، لا لسبب إلا لأن الأم إما غافلة أو مُحرَجة من الخوض في موضوعات لها علاقة بالتطورات الجنسية في حياة ابنتها، المسئولية تقع على الأم أولاً، لأنها تعلم علم اليقين أن حدث البلوغ آتٍ لا محالة، وإنْ لم تكن متعلمة، فقد مرت بالتجربة ذاتها ويمكنها استنادًا إلى خبرتها الإنسانية طمأنة الطفلة بأن الحدث حين يأتي لا خوف منه، وإنما هو حدث سار؛ لأن الطفلة تبدأ في مراحل النضوج التي تحولها من طفلة إلى مشروع أنثى شابة في طور النمو نحو الزواج والإنجاب، ويمكن للأم أن تُفهِم ابنتها أن البلوغ يعني نضج البويضات التي يمكن أن تُعينها على إنجاب الأطفال بعد الزواج، وبعد ذلك تأتي مرحلة مساعدة البنت على الاحتفاظ بنظافة الجسم أثناء الدورة، بالأسلوب المتبع في ثقافتنا دون اللجوء للعازل المنتشر استعماله في الثقافة الأوروبية، وهو لا غبار عليه للمرأة، ولكن الأفضل للبنت هو استخدام الفوط الطبية الخارجية.
أريد أن أُطمئنك إلى أن ابنتك بخير لأن العازل الذي ذكرت لا يزيل غشاء البكارة، فلا تخافي ولا تحزني ولا تعنفي ابنتك كلاميَّا؛ لأنها لم تقترف ذنبًا، فقد وظَّفت الوسيلة المتاحة لها لكي تتغلب على مشكلة واجهتها وحدها، وقد حانت اللحظة الآن لتفهم أسباب رفضك للعازل الذي استخدمته، وتفضيلك للفوطة الطبية؛ نظرًا لقلة خبرتها وإيثارًا لسلامتها وحمايتها من أي ألم نفسي أو جسماني إذا أخطأت في استخدام الوسيلة التي أشارت بها زميلتها.
هي والسائق
سيدتي هذه هي المرة الأولى التي أتكلم فيها عن مشكلتي، فأرجو أن تساعديني بنصيحة نفسية وعقلانية، لقد تعرضت لتجربة مؤلمة حين كنت في الثامنة، وأنا الآن في السادسة والعشرين، قصتي من البداية هي أنني كنت في بيتنا ألعب مع إخوتي لعبة الغميضة، وعدوت بحثًا عن مكان أختبئ فيه، ودخلت غرفة السائق لكي أختبئ، وكان السائق موجودًا، وحين رآني بدأ بالكلام الطيب، وحين حاولت الخروج منعني، ولما صرخت ضربني وخلع ملابسي؛ فتجمدت من الخوف ولم يكن إخوتي قريبين ليسمعوا صوتي، وبعد أن صار ما صار، هددني وخوَّفني بالضرب والحرق إنْ أخبرت أحدًا بما حدث، وبعد أسبوع واحد، تحرّش بأختي التي تكبرني بخمس سنوات، ولكن من حسن الحظ أنه لم يستطع أن يؤذيها، لأنها قاومت وذهبت فورًا لأبي، وسُجن السائق عامين ثم أبعدته الدولة ومنعت دخوله مرة أخرى.
المشكلة، أنني لم أخبر أحدًا بما حدث لي، لأني رغم ما حدث لأختي بقيت خائفة من أن أُطلع أحدًا على مشكلتي، اليوم أعيش في حالة خوف مستمر لأنني بعد مضيِّ تلك السنين سوف أتعرض للوم، أمي تلح عليَّ في موضوع الزواج، وتسألني لماذا أرفض، الحقيقة هي أنني أخاف من الرجال وأشعر بالنفور منهم، أخاف من الظلام رغم بلوغي هذا العمر، ما الحل؟ أنا يائسة من كل شيء.
ابنتك أنهار
عزيزتي لكل مشكلة حل، وفي حالتك أعتقد أن الحل يبدأ بالتخفف من ثقل الكتمان، ما أنصحك به أولاً هو أن تأخذي نسخة من رسالتك لي وردي عليها وتُطلعي أختك عليها، فهي أول الناس الذين يمكن أن يتفهموا وضعك ويتعاطفوا معه، ففي حالات كثيرة يكون الكتمان هو سبب الاضطراب النفسي المستمر، وبالتخفف منه تبدأ رحلة الشفاء، بعد أن تُطلعي أختك على الرسالة، يمكنها أن تُساندك في زيارة عيادة نسائية للكشف وتقدير مدى الأذى الذي لحق بك، وربما لا يكون الأذى بالخطورة التي تتصورين، ولابد أيضًا من زيارة عيادة للعلاج النفسي، فأنا يمكنني أن أقدم لك النصيحة كتابة، ولكن تراكم طبقات من الخوف والقلق يحتاج إلى أكثر من نصيحة مكتوبة، لابد أن يستمع إليك متخصص، لكي تطفو طبقات الخوف والنفور إلى الوعي، فتُعبري عنها وتُتاح لك فرصة مواجهة الجاني في خيالك، لا كطفلة في الثامنة ولكن كشابة في السادسة والعشرين، يمكنها الدفاع عن نفسها بوسائل لم تكن متاحة لها وهي طفلة.
حين تتعرض طفلة للتحرش الجنسي تكبر وتكبر معها مشاعر من الذنب توحي لها أنها تقاعست عن الدفاع عن نفسها، وفي حالتك ربما ألح عليك ذلك الشعور لأن أختك استطاعت أن تقاوم عدوان السائق المجرم، ولكن ذكِّري نفسك بأنها كانت أكبر منك بخمس سنوات، وذكِّري نفسك أيضًا بأن السائق نال جزاءه، وذكِّري نفسك، وهذا هو الأهم، بأن السائق المذنب فرد واحد وليس هو كل الرجال.
من المخطئ؟
سيدتي تزوجت منذ خمس سنوات، ثم اكتشفت أنني أُعاني من أورام في الرحم، فتقرر التدخل الجراحي لإزالتها خوفًا من أن تتحول إلى أورام سرطانية، ووافق زوجي على إجراء الجراحة، واضطر الطبيب إلى استئصال الرحم، بعد الجراحة وقف زوجي بجانبي لفترة، ولكن وقبل أن أسترد عافيتي كاملة، شعرت بأنه يعاملني بجفاء وقسوة، وساءت أحوالنا كثيرًا إلى أن انتهى الأمر بالطلاق، والجدير بالذكر أن زوجي لم يقْرُبني بعد الجراحة أبدًا، فوجئت بقرار الطلاق وأوكلت أمري لله، وتحسنت حالتي الصحية والنفسية وعدت إلى العمل، حاولت أن أنسى زوجي حين سمعت بأنه يبحث عن زوجة، وسمعت أيضًا أنه لم يوفق في البحث، وبعد عدة أشهر، حاول الاتصال بي عدة مرات، فرفضت الرد عليه، لأنني كنت أشعر بالإهانة والجرح، هذا الزوج الذي أحببت، أشعرني بالإهانة وبأنني امرأة منقوصة الأنوثة، وبعد مضيِّ فترة أخرى، رددت على اتصاله وتمنيت أن يكون تغيّر لأني صارحته بما في نفسي، ومع ذلك ظل يهاجمني ويتهمني بأنني أخطأت، ولم يعتذر عن موقفه، أجد نفسي في حالة معنوية صعبة لأنه لم يعبر عن أي أسف، أريد أن تنصحيني كيف أتصرف وأسترد الثقة المفقودة؟
الحزينة أنوار
عزيزتي لقد طلبت نصيحتي ولا يمكنني أن أخالف ضميري حين أبذلها، سوف أذكرك بقول الله تعالى بأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ولذلك عليَّ أن أقرأ ما بين السطور وما لم يرد في رسالتك، قلت إنه تقرر إجراء جراحة لاستئصال الأورام من الرحم وإن زوجك وافق على إجراء الجراحة، لكن وفي أي دولة متحضرة لا يتصرف الطبيب تصرفًا مثل استئصال الرحم وحرمان المرأة من فرصة الإنجاب دون أن يستشيرها ويحصل على موافقة كتابية، وإنْ لم يفعل، يُعرِّض نفسه للمساءلة القانونية، إنْ كان الطبيب استشارك ووافقت دون الحصول على موافقة زوجك لأنه شريكك وما يؤثر على فرصتك في الإنجاب يؤثر على حياته معك مباشرة، فقد أخطأت خطأً كبيرًا، وكان من الممكن أن تُجري الجراحة على مراحل دون اللجوء إلى استئصال الرحم أو إلى أي إجراء علاجي آخر، بحيث يكون استئصال الرحم هو الملاذ الأخير.
لابد أن الصدمة أثرت على حالة زوجك النفسية والعاطفية، وبعد الانسجام حلَّ التوتر الذي أدى إلى انفصال، أما الآن وقد عاد إليك محاولاً إعادة المياه إلى مجاريها، فلا أقل من الاعتراف بنصيبك في الخطأ، تسألينني كيف تتصرفين فأقول لك تصرَّفي بإنسانية، فهذا الرجل جمعك به الحب والعشرة الحسنة وقد تضرر من فقدان الأمل بالقدر نفسه، والأفضل لك وله أن تُعيدا تقييم العلاقة، يجب أن تُوزن الأمور بميزان العقل، إذا كانت العناصر الإيجابية في العلاقة تزيد على العنصر السلبي الذي جاء نتيجة للجراحة، عُودي إليه، وإما أن تقبلي بأن يتزوج مرة أخرى إذا لاحت له فرصة، أو أن تكفلا طفلاً يتيمًا، وما أكثر هؤلاء في عالمنا، كفالة اليتيم لها ثواب كبير عند الله وقد تعوِّضك مشاعر الأمومة التي فقدتها، وإنْ لم ترق لكما هذه الفكرة، لابد أن لك أو له أقارب بحاجة إلى البر، فاختاري، كوني مؤمنة برحمة الله ومن الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.