آلام وراثية.. أحلام عائلية

أعرج منذ ولدت، وكان أبي يعرج منذ ولد، وكذلك جدي، إلى آخر السلالة.

عيناي تنظران كل واحدة في اتجاه، كذلك أمي، ومن قبلها جدتي.

منذ طفولتي وشعر رأسي يسقط، وكانت عمتي تغطي رأسها حتى في البيت منذ أن كانت طفلة.

ابني يشبهني في شيئين: الأول حبه للموز، والثاني في صفرة الموز في وجهه.

لكنه يختلف عني في شيء هام، فهو طويل كجده، وحين يبتسم يذكرني بغربة الفنان في الأرض.

العصافير تشبهني، رغم أنها ليست من صلبي. إنها تفرش العش بريشها، وأنا أفرشه بأوراقي، مكتوب عليها شقشقات خرساء.

آلام الأسنان والآذان تراث عائلي، نزلات البرد والشُعَب الهوائية، لنا في كل شعبة مطب هوائي، وكل نزلة لا تعقبها طلعة، أما البرد فيدخل عظامنا من دون استئذان، كأن هذا حقا مقدسا له.

أما آلام العضلات فهي تأتي إثر كل فرحة، خاصة حين نتلوى من الضحك، فهل رأيتم أسرة تبلغ هذا الحد من نقص اللياقة البدنية؟

أؤكد لكم يا سادتي وسيداتي وآنساتي أن ما أقول لكم ليس من وحي الخيال.. بل من وحي الألم.

 

 

الأحلام

أما الأحلام فهي بالوراثة أحلام يقظة، نراها حتى ونحن نمشي في الشوارع.

وهي أحلام ورؤى مشتركة،  نحلم بها جماعة أو فرادى، لكنها هي:

نفس الوجوه المبتسمة في بلاهة، الجميلة عيناها، والموَّرَد خداها، والنبيذية شفتاها.

هي نفس الوجوه المخيفة الرمادية، المكحلة عيونها بسواد السهاد وعذابات النفس، الحادة المدببة أسنانها.

نفس الأيدي الممتدة نحونا، والأقدام التي تمشي نائمة بإيقاع بطيء رهيب.

نفس الحدائق المشمسة، الكبار يلعبون الكرة، والصغار يلهون بالبالونة، يبكون ثم يضحكون لانفجارها ويطالبون ببالونة أخرى حمراء.

الشوارع الضيقة الغائصة، يسير فيها الواحد منا وهي خالية، والشمس قد غربت، والشوارع تغوص في الظلمة والصمت والأرض المنحدرة.

هناك يتبدى لنا رجل ملثم، يقترب رويدا رويدا، حتى إذا التصق وجهه بوجهنا خلع اللثام فجأة: فرأينا وجهنا يضحك ساخرا منا! ورأينا الملثم يدفعنا وينحينا جانبا ليواصل طريقه الصاعد في اتجاه البحر.

تلك أحلام عائلية، رأيناها أبا عن جد، أشهرها حلم البحر ذو الزرقة المتدرجة.

إنه بحر يمضي من الأزرق الشاحب للزاهي الغامق للأغمق للأقتم. وكلما انتهيت من درجة من الزرقة رأيت عند بوابة اللون الجديد بوابين: أحدهما يرتدي ملابس الغواصين، والثاني من طائفة عرائس البحر وعرسانه، الأول يحذركِ، والثاني يغريك.

ونحن  في أسرتنا نستسلم للإغراء بسرعة، فكان دأبنا أن نخرج من زرقة لندخل إلى زرقة أشد، حتى بلغنا الزرقة الكحلية، التي كأنها سواد، وغرقنا جميعا في العمق السحيق المظلم.

لم ينجُ إلا أنا، أنا الذي بقيت كي أحكي.

وربما أنا لم أخرج من البحر، بل انتقلت من حلم الغرق إلى حلم النجاة من الحلم.