أحيانًا يجب علينا أن ننسى، فالنسيان نعمة، ودائمًا نجدنا نستعين بهذه الجملة عند محاولتنا مسامحة حبيب أو قريب، فأنت مازلت تود قربه وحبه، وستحاول أن تنسى كل سيئ أو تهكم بدر منه، أو معاملة سيئة؛ لكي تعود المياه لمجاريها مع إيمانك بأن الأمور ستتحسن، فأنت ستنسى ما قالته لك والدتك في ساعة غضب؛ لأنك تود برها، وتنسى ذلك الموقف الذي بدر من صديقك وأنت تنتظره ساعة في المقهى؛ لأنه صديقك، ولكننا هل نستطيع نسيان الدم، أو الفقد، أو الضرب، أو صور السحل في الميادين والوحشية في المعاملة؟
الأغلب سيفور دمه وسيقول لا، ولربما أنا كذلك لن أنسى الصور البشعة التي حشوت بها رأسي وقلبي منذ أيام، في سبيل متابعة القلق العربي العالمي، ففجأة صحوت من نومي لأجد أن زوايا العالم حولي شرسة، وبها نهر من الدم يجري بانحدار، ومن خوفي كدت أشعر به يتجه إلي، حاولت أن أخدر شعوري وألتهي بالحياة، ومسرات الحياة، والأصحاب، حتى باتت الأفكار وردات الفعل تتكاثر في ذهني حتى الآن، وحين استسلمت لتلك الأفكار والصور والمشاعر المضطربة تراءت لي حكمة النسيان، ونعمة النسيان، جلست ووضعت مشاعري على ورقة، وهذبت دموعي، وتصالحت مع نفسي، نعم كل ذلك الذي حصل ليس إنسانيًا ولا صحيحًا ولكن بأيدينا نحن تغيير القادم، وبأيدينا نحن سننسى؛ لكي نصل إلى الإنسانية في التعامل السوي مع الآخر، فالقتل لا يولد سوى القتل، والسب والقذف لا ينتهيان، لكن أن ننسى ونسمو بردات فعلنا ونركز على هدوئنا هو كل ما نحتاجه لإعادة بناء علاقتنا مع أنفسنا، وعلاقاتنا مع الآخرين. النسيان لا يعني أن تكون ساذجًا وغير مبالٍ، النسيان في أن تكون أكبر عن الآخر، أن تسامح وتعذر وتختار طريقًا يدفع للتسامح والرقي في التعامل، وإن كانت الأمور أكبر فهناك قوانين ستطبق إن لم تكن قوانين مدنية وعسكرية، ففي هذه الدنيا قوانين أعظم ربانية هي التي ستُحاسب، وما علينا نحن الآن أن نخرج من الصور الضيقة، ونكبر في النظر ونسعى لوضع بذور الحب والعطاء ونسيان كل مُؤذٍ، في أمل أكبر وثقة بأنفسنا في تعاملنا مع القادم بحذر ونظر.