أرجوك لا تعطني هذا ولا ذاك

صديقة شاعرة وصلتني منها هذه الرسالة، التي استأذنتها في نشرها؛ لأني رأيتها جميلة في مبناها عميقة في معناها، فوافقت بعد إلحاح مني وتمنُّع منها، على شرط أن تكون الرسالة مجهلة تمامًا، بلا إمضاء ولا حتى بالأحرف الأولى.

الرسالة ليست موجهة لي، بل مرسلة لأقرأها وأبدي رأيي فيها؛ أما المخاطب فهو الرجل بشكل عام.

تقول صديقتي الشاعرة إنها لم تكتبها بغرض النشر، بل لتحويل العواطف التي ترهقها إلى لغة فتستريح من نصف عبئها، بعد أن تحولت من جنين داخلها إلى جسم خارجها.

والآن إلى الرسالة:

سيدي..

 

أولاً أنا لست ألومك، وأيضًا لست أُبرئك، لقد دُست على قدمي صدفة فبدأت قصتنا، وانتهت بأن دُست عامدًا على قلبي،

تقول إنك دست قلبي أيضًا بمحض الصدفة؟ أفهم ما تعنيه، تحاول أن تقول إنك لم تملك قلبك حين عشقتني ثم حين أحببت الأخرى، ولكن إن أمرتني الغيرة أن أقتلك الآن ولم أملك إزاءها أية مقاومة ففعلت، فهل تقضي المحكمة بأنه قتل بغير عمد؟ سيدي، أيها الرجل المنتصر، لا ألومك؛ لأنك تعودت في مجتمع يدللك على أن تفعل ما تشاء بغير حساب؛ تربيت على هذا، فمن الصعب أن نحاكمك بذنب أبيك وأمك، لكنني لا أبرئك؛ لأنك تعلم ما تعلم عن أنانيتك ونزقك، وتلتمس لشهوانيتك الأعذار، بينما أعطاك الله ذكاء يمكن أن ترى به مقدار ظلمك، حتى وإن لم يحاسبك عليه المجتمع.

سيدي، لا أريد حبك، ولا أريد أعذارك وندمك، لا أريدك أن تبكي لأرحمك بحبي، ولا أرضى ببكائك شفقة عليَّ وندمًا على ما فعلت بي، مطلوب منك فقط أن تتركني وحدي، ألتقط أنفاسي، ألمس مكمن الوجع وأطلق الآه تشفيني.

أرجوك لا هذا ولا ذاك: لا حب ولا شفقة، لا موعد ولا اعتذار عن عدم قبول الموعد، أرجوك لا تعطني ما في جعبتك السحرية من سكان دائمين: لا أريد خاتمًا من ألماس ولا إسورة من ذهب، ولا دبلة؛ ولا أريد أن ألمس يمينك الممتدة لي بخاتم القِران، بينما يسراك خلف ظهرك تخبئ الخنجر.

لا تعطني هذا ولا ذاك، أعطني حريتي، شهادة عتقي من عشقي، من عبوديتي، اتركني –ولو مؤقتًا- ربما طاب جرحي بعد سنين. ساعتها سأعيد قراءة هذا الخطاب، سأسأله كما أوشوش ودعة:

هل سيدي صار عاقلاً، أم أنني أخدع نفسي مرة أخرى؟

أذهب للمرآة أكلمها:

مرآتي يا مرآتي، هل سيدي صار أكثر تجاعيد وحكمة، أم أن التجاعيد الدقيقة التي بدأت تظهر تحت عيني ستعلمه مزيدًا من النزق والأنانية.

قد أسامحك يا سيدي، فأنا لا غنى لي عنك، لكن أعطني مهلة، هدنة، هذا هو الشيء الوحيد الذي أريدك أن تعطينيه الآن.

معذبتك