شفتاك عنب أحمر، وكلامك شراب حلال. شعرك سبائك من ليل الصيف. أيتها الجنوبية التي في سمرتها الخمرية وطني، لو شئتِ لمشيتُ البلاد حافيًا على الرمال والأسفلت والحصى، على العشب والسجاد والمرمر؛ لأنتزع مهرك من يد المحال البخيلة، كأني شاطر حواديت يأتي عبر المحاذير والمهالك بمهر «ست الحسن والجمال»، لقد بلغتِ يا واحدتي عامك الحادي والعشرين، لم تعودي قاصرًا، فاختاري فتى مخلصًا في الحب، مستعدًا لركوب الصعب وارتياد الآفاق المجهولة المسكونة بالخوف، من أجلك، من أجل طفلكما، الذي سيأتي بإذن الله جميلاً مثلك، شجاعًا كأبيه، عربي الهوى، وبالطبع أسمر.
كأن الفجر يشرق من عينيك السوداوين كليلتين صيفيتين، جنوبيتين فواحتين بالياسمين، إن حالة ربيع عامة تختصر البلاد بيني وبينك، تجمعنا معًا في صحبة ورد أو في عقد فل. إن أغنية تولد بيننا، أغنية جماعية، لكن فيها صولو «كمان» يخصني وحدي، أغنية ورقصة معًا، تعزفها الأقدام الشابة الرشيقة المبدعة، كل يغني لمحبوبته، وجميعهن سمراوات مثلك، خمريات مثلك، عربيات مثلك.
فدعيني آذوب في حضرة بشرتك الصافية. أيتها الخمرية التي لم يكتبها أبو نواس، بل خبأها الزمان ألف عام لي؛ لتبوح بنشوتها المزلزلة في وجداني، في يوم كهذا اليوم.
يولد الحب عادة فجأة، دون سابق إنذار، كذلك الربيع، ينفجر دون استئذان، ونحس بوقعه كالمفاجأة، رغم أننا نعرف بموعد قدومه وننتظره، كذلك حين التقت عينانا، حدث تفاهم سريع صامت. لغة لا يستطيع العقل أن يحولها لكلمات. وُلد شيء في المنتصف.
كانت نظرة عابرة، لم تستغرق أكثر من ثانية، لكنها قالت أشياء، ربما استغرقتني ألف زمان وأنا أحاول أن أصطاد فراش معانيها، دون أن أؤذي بخشونة جهدي أجنحته الملونة.
لم يكن ما بيننا هشًا، كجناح فراشة، لكنه رقيق مثلها، وأنت رقيقة كمحاولة خجول من طفلة في لمس قطة بيضاء، كأول قطرة ندى يضعها الفجر على خد وردة بحنان وحذر خشية أن يخدشه.
بورك في الأرض التي حملتك لي، وفي السماء التي ترعى حبنا من بعيد.
أيتها القصيدة التي تشبه الأغنية، والأغنية التي تشبه كلام العيون في حضرة العيون، والعيون التي تشبه سفر الخيال في حواديت الجدة. أيتها الإنسانة التي تشبه الماء الدافئ، الماء الساخن الذي يجعل البدن يتصاعد منه البخار، هل تقبلين أن أدخل بيتك، وأبدل جلدي القديم المتغضن في حمام بخارك؟
قالت إذا جئت بمهري، ومهري مُهر أبيض، عيناه سوداوان، كليلة حزينة لم يقربها القمر.
حذارِ أن يكون مهري كلامًا، هات المُهر الأبيض وتعال اخطبني من أبي.
هِمْت في البلاد باحثًا عن مُهر حزين أبيض، ومازلت أهيم، وقد كبرت سني، وابيضت لحيتي، لكنها مازالت كما هي اسمًا ومعنى «ست الحسن والجمال».
وأنا لن أيأس؛ لأني سمعت في تجوالي عن نبع مَنْ نزل فيه ارتد شابًا، واسودت لحيته ونما شعره غزيرًا أسود، وسوف أجيء في يوم ما، حتى إن يئستِ من رجوعي ونسيتِ وجودي أصلاً، سأعود؛ لأضع عند قدميك هدايا أسفاري، بينما المهر الأبيض يحمحم خلفي للفت انتباهك، ولسوف تمسينه بيديك وتنظرين في عمق عينيه؛ لتتأكدي أنه هو: المُهر الأبيض.
وسواء عدت شابًا أم عدت شيخًا، ستفتحين لي بيتك، وسأخلع نعليّ عند العتبات؛ خوفًا من أن أدنسه بتراب الأسفار، وإن جئت شيخًا فانيًا فستدخلينني حمام الماء الساخن، الذي يخرج البخار والتجاعيد وأوجاع العمر من الجلد واللحم والعظم، وسأرتد كما خلقني الله جميلاً.