تؤكد أغلب الدراسات أنَّ الزواج التقليدي ينجح أكثر من الزواج القائم على علاقة حبٍّ، وهناك العديد من التجارب الواقعيَّة تعيش بيننا، نشاهد منها حالات نجح بعضها، لكن أغلبها لم ينجح. وبالتأكيد أنَّ لزواج الحبِّ مميزات، كما أنَّ له عيوبًا، ولو افترضنا منذ البداية أنَّ الاختيار كان مناسبًا ومتوافقًا مع أساسيات الزوج، لكنَّه غالبًا ما يتم بقرار متعجل يفتقد أحكام العقل وقد ينقصه الاتزان؛ لأنَّ زواج الحبِّ تحكمه العاطفة التي قد تحجب الرؤية الموضوعيَّة بين الطرفين، ففي البداية ينظر كل طرف لحسنات الآخر وإيجابياته، ويصرف النظر عن التعمق في كل الجوانب الشخصيَّة فتصبح الرؤية غير واضحة، وغير مطابقة للحقيقة، ما يؤدي فيما بعد إلى الصراعات والمشاحنات، التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى الطلاق النفسي؛ لأنَّ الزوجين الحبيبين كانا يتوقعان من بعضهما الكثير من الأحاسيس والمشاعر المتأججة والمستمرة، كل منهما ينظر للآخر نظرة مثاليَّة تحمل في جنباتها الصفات الرومانسيَّة الخالية من العيوب، وتبدأ حياتهما بحماس سرعان ما يصاب بالفتور، ويتفاجآن بأنَّ الحياة تحت سقف واحد بعيدة عن الواقع، فالحبُّ وحده لا يكفي لإنجاح الزواج، والعواطف الملتهبة لا تكفي لإقامة حياة زوجيَّة سعيدة ومستقرة؛ لذا فإنَّ زواج الحبِّ غالبًا ما يكون مهددًا ومعرضًا لهزات عنيفة، فمشاعر الاشتياق والاحتياج قبل الزواج تتحول بعده لمعادلة معكوسة تجعل تأثير الحبِّ ضيقًا ضعيفًا؛ تساهم بعدها في هروب الأزواج من الحياة الخانقة والبحث عن فضاء أوسع، أما زواج العقل المبني على المصارحة والمكاشفة منذ البداية، فهو في الغالب زواج هادئ مستقر؛ لأنَّه يقوم على أسس سليمة من الدين، والأخلاق، والكفاءة الشخصيَّة، والتفاهم المتبادل، وعلى الرغبة في بناء أسرة مستقرة تحيا في مودة ورحمة وسكنى، وتلعب الأسرة دورًا كبيرًا في نجاح الزواج، فيتولد الحبُّ وينمو من خلال التعامل الراقي والعطاء. والزواج مثل أي علاقة إنسانيَّة اجتماعيَّة قابلة للنجاح أو الفشل، وهناك علاقات زوجيَّة ناجحة وسعيدة بكل المقاييس، والأمر ليس سهلاً، لكنَّه ليس معقدًا، والحياة تستحق أن يبذل فيها الزوجان الجهد والوقت والاهتمام، والاستعداد للتضحية والتنازل، وهي ليست مجرد مشاعر وعواطف فقط، ولن تنجح بالعقل وحده، ولا يمكن تحقيقها من طرف واحد، ولن تستمر إلا بالمودة والألفة، وأن نميز بين مشاعر الحبِّ وأفعال وتصرفات الحبِّ، فالمشاعر مهمة وأساسيَّة، لكن الفعل يحافظ على العلاقة السعيدة الدافئة.
أنين العاطفة
الرجل يسعى، حين الرغبة بالزواج، إلى المرأة ويطاردها، ويتفنن في وسائله للإيقاع بها، ويشبعها حبًا وغزلاً وهيامًا، ناصبًا حولها بذلك شباكه؛ حتى تستسلم وتخضع له، وتحبه وتتزوجه، وهذه الموافقة وذلك الزواج هما نهاية المطاف عند أكثر الرجال إيمانًا بالحبِّ، فبعد امتلاكه المرأة التي أرادها تبرد مشاعره المتأججة، وتخمد نار حبِّه الثائرة، ويفقد انبهاره، فهو يحبُّ بعينيه، وينتشي باللمس. بعدها تتبخر أشواقه التي كانت تبلغ درجة الغليان.
عبد الإله محمد جدع