قالت لي صديقتي وصوتها مختنق بالدموع: كأنه ابني وقد أسره الأعداء، قلت في فزع: مَن مِن أبنائك؟ عبد الرحمن أم ياسين؟ فضحكت في مرارة، وقالت: لا ليس هما إنه الأقصى... فقلت لها في حيرة: الأقصى؟ أتقصدين المسجد الأقصى؟ قالت نعم مسجدنا الأسير، أولى القبلتين وثالث الحرمين ونهاية مسرى النبي –صلى الله عليه وسلم- وبداية المعراج.
هذا ما قالته لي صديقتي بعد أن شاهدت الاعتداءات الصارخة على حرم المسجد الأقصى من قبل الإسرائيليين في كل نشرات الأخبار.
تلك الكلمات اخترقت وكأنها رصاص نسيج قلبي، أول مرة أسمع فيها أحدًا يتكلم عن الأقصى وكأنه كائن حي يتنفس ويتألم.
قالت لي صديقتي الحزينة: أشعر بأنه ابني.. صدقيني، أشعر بأنه يعاني من الأسر والقهر والغربة، أشعر بأنه ينادينا كل يوم ويقول: «أين أنتم يا أحبابي، يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ خلصوني وفكوا أسري أستحلفكم بالله، أشتاق لكم، أشتاق لأقدام المصلين وجباههم المبتلة بمياه الوضوء، أشعر بالحنين لصلاة العيدين وتراويح رمضان.
فبدلا من أن أسمع «ألله أكبر، وسمع الله لمن حمده»، أسمع صوت المدافع والرشاشات، أشعر بالغبطة تجاه أخويَّ اللذين تشد الرحال إليهما، وهما المسجد الحرام والمسجد النبوي، بينما أُحرَم منها.. ليتني مثلهما.
تركت صديقتي تسترسل في الوصف والكلام، وأنا في حالة ذهول، شيء ما يتمزق في قلبي.
الآن فقط وجدت إجابات عن تساؤلات كثيرة بداخلي، ومبررًا لهذا الحب الشديد لهذا المسجد، فمن أحلامي وآمالي أن أزوره وأن تطأ قدماي أرض نهاية مسرى النبي –صلى الله عليه وسلم- أريد أن أرى حائط البراق.
أريد أن أضع رأسي مكان رأس الأنبياء جميعهم، وهم يصلون جماعة وراء نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل أستحق أنا هذه الزيارة؟ هل يستحق أي مسلم يفرط في حق هذا المسجد الزيارة؟!
كلنا نقف مكتوفي الأيدي، مسلوبي الإرادة أمام توغلات الاسرائيليين غلَّت أيديهم عن الحرم الإبراهيمي الشريف، وتلك الأنفاق والحفريات تحت المسجد مدعين البحث عن الهيكل المزعوم.
تلك الهلاوس والتخاريف ما هي إلا أساطير الأولين التي تملأ عقولهم ويسعون بها إلى تنفيذ مخططاتهم، وأقول لهم بأعلى صوتي:
«القدس قدسنا والمسجد مسجدنا».
«القدس قدسنا والمسجد مسجدنا».
أين أنت يا صلاح الدين.. سؤال يجول بخاطري.. أرجو من الله أن يرزق مسلمة صادقة مخلصة لله، بينها وبينه عامر وعمار، لديها اليقين بمن يخلص الأقصى من الأسر، وممن نرجو من الله أن يغلَّ أيديهم.