في شهر رمضان نعود إلى التوازن الصحيح بين المادة والروح، نجوع ونعطش، نسجد، نبتهل إلى الخالق الذي نذكره في كل لحظة من لحظات الشهر، ننام قليلًا، نأكل قليلًا، نصلي كثيرًا، نتصدق، نتلو القرآن، والنتيجة أننا نسمو، نكون أكثر إنسانية، أكثر آدمية.
هي فرصة أن نراجع صورًا نحن في مسيس الحاجة لأن نعيد النظر فيها، واليوم أود أن أمس مع قرائي أوضاعنا مع أصحاب الإمكانيات الخاصة، هكذا قررت أن أسميهم، ويسميهم غيري أصحاب الاحتياجات الخاصة، ويسميهم آخرون المعوقين.
الله سبحانه وتعالى خلقنا جميعًا بفضله، لم يدفع أحدنا ثمن خلقه لله، وإنما هي نعمة ومنحة مجانية من الله سبحانه وتعالى، لا يحق لأحدنا أن يتطاول على أحد، لأن الله خلقه حلو القسمات، أو أخضر العينين، أو أشقر الشعر، أو مفتول العضلات، إنها نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، والله سبحانه وتعالى خلقنا مجموعات: بعضنا ينتمي إلى أغلبية متشابهة في الإمكانيات التي وهبها الله سبحانه وتعالى، وخلق الله أيضا مجموعات أخرى، ميزها عن الأغلبية بإمكانيات خاصة غير موجودة في غيرهم، ومع ما فيهم من ميزات أودعها فيهم الله سبحانه وتعالى، فقد اقتضت مشيئته أن يحرمهم من بعض ما هو موجود عند الغالبية، فقد حرم بعضهم من البصر، وبعضهم من السمع، وبعضهم من الحركة، وبعضهم مصاب بالتوحد، وما إلى ذلك من مجموعات هم إخواننا وأخواتنا يعيشون معنا، يحق لهم أن يشاطرونا كل ما نستمتع به مما أودعه الله سبحانه في هذه الدنيا من أوجه العطاء، ويحق لنا أن نستفيد من إمكانياتهم العادية التي تشابه ما عندنا من إمكانيات، كما يحق لنا أن نستفيد من إمكانياتهم الخاصة التي منحها لهم الله سبحانه وتعالى كبديل عن الإمكانيات التي حرمهم منها.
ينظر بعضنا إلى الوضع غير المثالي الذي نتعامل به في مجتمعاتنا العربية مع أصحاب الإمكانيات الخاصة على أنه نوع من الاضطهاد الذي تتعامل به مجموعة الأغلبية مع مجموعات أقليات، وأنه نقص في التسامح، يحصل أبناء الأغلبية على مدارس ووظائف وسيارات وشوارع وأرصفة وبضائع ومجلات وكتب ومسلسلات ونواد، أما أبناء الأقليات من المكفوفين، والصم، والبكم، وغيرهم، فلم نفكر في الأسلوب الأمثل لتوفير احتياجاتهم والاستفادة بإمكانياتهم.
قبل زمن بعيد كان طه حسين عميدًا للأدب العربي، ووزيرًا للمعارف في مصر، كفيف البصر، ومعنا اليوم الموسيقار الكبير عمار الشريعي، ولكن هل هذا يكفي؟ هل نرعى مواهب أصحاب الإمكانيات الخاصة وننميها كي يستفيد المجتمع كله بها؟
لا أعرف من أين نبدأ؟ قدمت منذ سنوات حلقات مسلسل «سارة»، ومنذ قدمت هذا المسلسل وأنا أشعر بمعاناة أصحاب الإمكانيات الخاصة في مجتمعاتنا العربية، ولكنني لا أدري كيف يمكن أن تتغير أوضاعهم، وأن تُحل مشاكلهم، هل هي مشكلة على الحكومات أن تحلها؟ أم أن علينا جميعا أدوارًا يجب أن يقوم كل منّا بما عليه لنحل هذه المشكلة.
شهر رمضان هو شهر سمو الإنسانية، دعونا نفكر معًا في الارتقاء بمجتمعاتنا من خلال الارتقاء في التعامل مع أصحاب الإمكانيات الخاصة.