كلما حططت رحالي في مطار، غادرت قلبي، وتركته في نفس المكان. تصبح المدن مجرد فراغات، والزمن مجرد أرقام. أشعر بالغربة في المطارات. تلتهمني الساعات، وأسئلة الجوازات وتعبئة البطاقات. يتحول الشخص إلى رقم، والحلم إلى بضاعة، يتم تهريبها خلسة بين الوجوه.
تفاصيل مملة، وروتين بطيء. أمواج من البشر تركض خلف هدف
تسعى لتحقيقه، أو ربما وهم قد تكتشفه يوما ما.. طرقات المطارات طويلة، وممراته كئيبة. كأنهم يتمتعون برؤية البشر في طوابير بشرية، ينتظرون بطاقة تتيح لهم الخروج، أو ختما يصبغ عليهم شرعية الدخول.
لماذا يصرون في المطارات على إذاعة إعلانات صعود الطائرة، بأصوات مزعجة، وغير مفهومة. هل هي ضمن سياسة التفحص والمراقبة؟ أم أن إحساسنا بالقلق في المطار يجعل الأصوات نشازا في سمعنا؟
عالم غريب، يمحو جموده صورتك حينما تعبر خيالي، وابتسامتك التي تغتال رداءة المكان، وتحيله إلى عالم من الأضواء، وحدك التي تغيرين خارطة الزمن، ومعالم الجغرافيا. نقاء يغسل الأجواء، ويسبغ عليها صفة الإنسان.
ابتسمت وأنا أغادر المطار، لقد فتشوا حقائبي وأمتعتي، ونسوا أنني حملت معي عالما بكامله لم يصادروه مني. كنت معي ولم يروك، كنت أحادثك ولم يسمعوني، وكنت تبتسمين ولم أرهم.
في السفر نشعر بقيمة الأشياء، وأيضا اختلافها، وأنا اكتشفت الأشياء بأبعادها الثلاثة، فالزمن يصبح العامل الأصعب في بعدك، والعنصر المختفي في لقائك. محير هذا الزمن ففي بعدك يمارس سطوته، ومعك يتلاشى تأثيره. أجد عذرا للزمن، فربما روعة الأشياء، تتجاوز مساحات الاستيعاب.
اليوم الثامن:
كنت أعتقد أنني أسافر
من دولة إلى دولة
واكتشفت أن رحلتي كانت
من عينيك إلى راحة يديك