لن يكون أحفاد العم نقولا بين ركّاب السفينة البريطانية العصرية، «بالمورال»، والتي انطلقت في الثامن من شهر آذار على المسار ذاته الذي تبعته السفينة المنكوبة «التايتانيك» قبل مائة عام، وعلى متنها، بين الركاب، عدد من أحفاد الضحايا.
ذلك لأن الشاب الذي كان يصحب عروسه في رحلة شهر العسل، لم يُقدَّر له أن يبلغ نهاية الرحلة.
وعندما اصطدمت الباخرة بجبل الجليد بتاريخ 15 نيسان 1912، كان الفتى الزحلاوي أشدّ المتحمّسين للمساعدة في إنقاذ حياة الركاب، وبينهم زوجته.
لكن الخلاص لم يُكتب للفتى الشجاع؛ فقد تجمّد جسده من شدّة الصقيع، وأدّى ذلك إلى وفاته.
وقد كتبتُ من وحْيهِ قصّةً عنوانها «الجبّار»، من خلال ما كان يروي شقيقه عن تلك المأساة، التي أصابت عائلة نصرالله في زحلة، كما أصابت مئات العائلات، إذ بلغ عدد الغرقى في حينه أكثر من 1500 شخص.
أما الآن، فالرحلة سياحيّة، ويشارك فيها ركّاب من 28 دولة. وقد دفعوا ثمناُ باهظاً لبطاقة السفر. وتأكيداً للمشهد المسرحي، فقد ارتدى بعضُهم أزياءَ ذلك الزمان.
وتحرص الشركة البريطانية التي قامت بتنظيم الرحلة الجديدة، أن تعيد المشهد ذاته، وقد بات الناس، في جميع أنحاء العالم، يعرفونَه من خلال الفيلم الشهير، والذي أطلق لدى عرضه، ما سُمِّي في حينه «حمّى التايتانيك».
وقد زارنا في تلك الفترة عدد من كبار الصحافيين العالميين، في سياق بحثهم عن أُسر الضحايا، وبينهم عدد من اللبنانيين؛ حتى أن أحد الكتاب الباحثين، تعمّق في دراسة الموضوع وألّف كتاباً موثّقاً، للضحايا والوقائع.
وكان البطل الضحية عمّ زوجي، وهو كبير إخوته؛ وكنت ألتقط تفاصيل الحكاية من خلال ما يرويه عنه أفراد العائلة، وخصوصاً وصفهم للحزن الذي أصاب الوالدين؛ وقد ظلّ يتردّد ذكرُهُ في السهرات واللقاءات، ويُروى للأولاد والأحفاد.
واليوم تقوم شركة سياحية، في ذكرى مرور مائة عام على الحدث، فتقيم فوق متن الباخرة حفلة تأبين بتاريخ وقوع الحادث، إكراماً لذكرى الضحايا، ثم تتابع الرحلة، فتحوّل المأساة إلى مشهد آخر، مختلف. وتغرسُ المرح مكان الحزن والموت، تأكيداً لقوّة الحياة وغلَبَتها.