الحق في ... السعادة!!

السعادة مثل قطرات العطر

ما تسكبها على الآخرين

إلا وقد سكبت على نفسك بعضا منها

                                                            «رالف والدو إيمرسون»

 

من منا لا يطلب السعادة؟ وكم منا وجدها؟ وكم منا ظن أنه كاد يقترب منها من خلال قصة حب جميلة، أو فرصة عمل مجزية، أو نجاح في مجال ما، فإذا بالأحداث تسرق منه سعادته؟ هكذا حياة معظمنا، مليئة بدرجة ما من الصدمات، لكنا لا نلبث أن نبحث عن السعادة من جديد، في مكان ما، في حدث ما، في شخص ما. أي أننا غالبا ما نعلق اسباب سعادتنا على شيء ما «خارجنا». وهذا الحال يخالف تماما تجربة بعض الناس الذين يقولون إنهم بلغوا سعادة حقيقية، لا يمكن لأي شخص أو حدث أن يسلبها منهم.

معظم هؤلاء يقولون إن السعادة والبهجة هما جزء أصلي من طبيعتنا الحقيقية. والخطأ الأساسي الذي يبعد معظم البشر عن السعادة، هو أنهم لا يتعرفون على مصدرها الأصلي، الذي هو داخلهم. ولذلك ترى مثلا أن من يبحث عن السعادة في المال، وينال منه الكثير، لا يلبث بعد حين أن يجد أن سعادته غير كاملة، فيظن مثلا أنه سيسعد لو نال السلطة، فيبحث عنها ويصل إليها، ويسعد بها لحين، ثم يعاوده الشقاء من جديد، فيظن أن ذلك بسبب أنه ليس لديه أسرة، فيبني اسرة، ويسعد لحين، ثم يفتقر للسعادة من جديد، فيتوجه سريعا للبحث عن شيء ما يُعيد إليه سعادته، وهكذا كأنه يجري وراء سراب. تختلف الأشياء التي يلهث وراءها كل شخص، ولكن يشترك معظم البشر في تجسيد السعادة في شيء ما، و يعلقون غيابها على الآخرين «الذين يفعلون كذا وكذا» .. وهكذا.

المفتاح الذي يعطيه لنا خبراء السعادة هو أن كل شخص عليه أن «يكون نفسه»، ويعنون بذلك أشياء محددة هي: 1- أن يكتشف ميوله ومواهبه الخاصة والأشياء التي تجذبه لمعرفتها. 2- أن ينمي هذه الميول ويمارس هذه الهوايات فلا يترك متطلبات الحياة تبتلعه تماما. 3- أن يعي الإنسان البعد الروحي فيه والتواصل معه من خلال التأمل، والعبادة، والتعرض للطبيعة الجميلة، والفنون الراقية التي هي كلها غذاء للروح. 4- أن يستمد الإنسان مقاييسه في الحياة وفقا لما هو مؤهل له، وليس وفقا لما يضعه المجتمع من معايير للنجاح. 5- أن يحدد أهدافه وفقا لهذه الأبعاد. 6- أن يدرك مسئوليته عن حياته، فلا يترك نفسه دمية في يد الأحداث، بل يحدد أسلوب تفاعله مع ما يمر به من تحديات.

حين يكون الإنسان نفسه، بهذا المعنى، يأخذ فرصته في النمو الذاتي وفقا لما هو متمتع به، وليس وفقا لقوالب ومقاييس مجهزة ونمطية، مثل تقييم الشخص مثلا بقدر ما لديه من مال، أو مركز اجتماعي، أو سلطة من أي نوع، وكأن من لا يملك هذه أو غيرها لا يعتبر ناجحا. حين يتبنى الشخص المعايير النمطية مع نفسه، فيحكم عليها بالفشل أو النجاح وفقا لها، فإنه يبتعد عن نفسه ويبتعد عن السعادة. أما حين يكون معيار الإنسان مستمدا من درجة توافقه مع نفسه، والتعبير عنها في كل ما يعمل، وتطويرها الدائم، وتحديد أهدافه المتناغمة مع ما يتمتع هو به من قدرات وإمكانيات، فهو ولا شك سيحقق السعادة.

حين يكون الإنسان كيانا أصليا، ويحقق السعادة، يدرك بطبيعته أن العثرات التي يقع فيها أحيانا، ما هي إلا فرص لتعلم أشياء جديدة، ويدرك أن الألم بأنواعه إنما هو جزء طبيعي من الحياة لا يرفضه بقدر ما يترك له المجال ليصقل روحه، وبذلك لا يتمكن أي شخص أو أي شيء أن يسلب منه سعادته. فهو يوقن ويختار دائما أن يجعل كل ما يمر به وسيلة لأن يكون نفسه، وليس كيانا مزيفاأ أو مبرمجا. الإنسان الذي هو نفسه، اي الذي هو سعيد لا يقارن نفسه بأحد، ويحترم حق كل شخص في أن يكون نفسه. كما أنه لا يتنافس مع أحد لأنه يركز فقط على أن يجد وسائل جديدة يستثمر بها ملكاته، ويعبر بها عن نفسه باستمرار.

والإنسان السعيد بالمعنى الحقيقي يستمتع جدا بالأشياء الصغيرة في الحياة وتملأه بالبهجة. إنه يستمتع بها لأنه سعيد بالفعل، في حين أن الإنسان «التعيس» لا يرى حوله أي جمال، مهما كان في مكان طبيعي خلاب، ولا يشعر بمذاق أفضل الطعام والشراب.

وكلما تناغم الإنسان مع نفسه وعبر عنها، كلما جعلته سعادته أكثر عطاء وخدمة للآخرين. فسعادته وسعادتهم تصبح الشيء نفسه .. بسعادتهم يسعد .. وبسعادته يسعدهم.