عندما يثير القَلم أي قضيّة تَتعلّق بالمَرأة، وعلاقتها بالمَلبس الذي تَرتديه تأخذ هذه الإثارة شكل الرفض والممانعة، وما ذاك إلا بسبب ضيق صدر المرأة وتبرمها من أي رأي آخر قد لا يتسق مع مكوناتها (الشكلية التي ألفتها واعتادت عليها) من أمثال العباءات بأنواعها، وكذلك الجلَّابيّة، ومثل هذه المنتوجات القماشية ينعكس على المرأة ومظهرها سلبًا أو إيجابًا!
ومِن هذا المُنطلق برزت (الجلَّابية) على سطح الموضة ليبدأ القَلَم يَحرث في «النّسق الثَّقافي والاجتماعي» لهذا النّوع مِن الأزياء، ومَدى تَأثيرها على «سمنة المَرأة»، بحيث تتحوّل المرأة بفضل هذه الجلَّابية من حجمها الطّبيعي (الأنيق) لتبدو بـ«حَجم البَقرة»، ومِن الغريب أنَّ «الجَلَّابيّة» مِن مَلبوسات «البَدو»، لكنَّها غَزَت «الحَاضرة»، والدّول المُجاورة مِثل سورية ولبنان ومصر!
وعندما بَدأتُ البَحث، وجدتُ مَحلَّات بيع «الجَلَّابيّات» تنتشر في أسواق «جُدَّة»
-بضم الجيم-، وفي غيرها مِن المُدن، بل نَجد الحَال في «بريدة والرّياض» ليبدو شكل السوق وكأنَّه بين كُلّ مَحل ومَحل «فَاصل» -ليس موسيقي- بل مساحة استعراضيّة لبيع «الجَلَّابيّات»!
وقد اشتهرت «الجَلَّابيّة» -مُؤخَّرًا- على يَد المُطربة «نانسي عجرم»، في «طقطوقتها» المُسمَّاة «آه ونص»، هذا على مستوى الشّهرة!
أمَّا على مستوى القبول، فهذا النّوع مَقبول عند أكثر الشَّرائح النّسويّة السّعوديّة، ولم أجد –فيما أعلم- إلَّا مَشغلاً وَاحدًا للخياطة أصدرت صاحبته «فتوى» تمنع تفصيل أو بيع «الجَلَّابيّات»، أو التّعاون مَع لابساتها، على اعتبار أنَّ هذا النّوع يُمثِّل سلاحًا مِن أسلحة الدَّمار الشَّامل، الذي يَقضي على رَشاقة المرأة!
أمَّا أبرز التَّصاميم في «الجَلَّابيّة» الفَخمة، فهي تلك التي تَتكوّن مِن قطعتين؛ القطعة الدّاخلية تكون سادة أو ذات نقوش، وليس لها أكمام.. أمَّا القطعة الخارجيّة فتَكون -أكثر الأحيان- مِن شيفون مَليء بالفصوص والتّرتر، وغَالبًا تكون ذات أكمام عَريضة، ونازلة للأرض!
ومِن حيث السّعر، نجد أنَّ «الجَلَّابيّة» تَبدأ أسعارها مِن 20 ريالاً إلى 10.000 ريال، وبهذا السّعر تَكون للجَلَّابيّة قُدرة قويّة على اختراق كُلّ الطّبقات، لرخص ثَمَنِها!
ومِن القصص الطّريفة أنَّ شيخنا «أبوسفيان العاصي» يروي قائلاً: إنَّ إحدى النِّساء الثَّريّات سَكنت في فُندق لَندني، ثُمَّ دَفعت لهم بالمَلابس لغسلها، وكان مِن ضمنها «جَلَّابيّة»، وكان عَامل المغسلة «يفرز» الملابس، ويُؤشِّر على مُسمّياتها في فاتورة الملابس -المُجهّزة مُسبقًا- بالحقول، وعندما وَصل للجَلَّابيّة وتَأمَّلها، لَم يَجد مَا يُوافق شَكلها في قائمة الفاتورة.. وأخيرًا وَجد حَقلاً فَارغًا كُتب عليه (Tent) أي «خيمة»، فلم يَتردَّد بوضع إشارة «واحد خيمة»، ويَقصد بها «الجَلَّابيّة»!
والحقيقة أنَّ «الجَلَّابيّة» تُشبه الخيمة، والمرأة عندما تَرتديها تصبح كالفَرَس، تَسرح في خيمة، ولا دَاعي للتّنويه بأنَّ «الجَلَّابيّة» المُعدَّة للسّهرة؛ يُشترط أن تَكون ذَات أكمام طويلة، بينما التي تُلبس في البيت؛ فلا مانع أن تكون ذات أكمام قصيرة!
أمَّا أبرز مساوئ «الجَلَّابيّة»، فهي أنَّها لا تَجعل المرأة تَشعر بوزنها، بحيث كُلَّما كَبُر جسم المَرأة استوعبته «الجَلَّابيّة»، وذلك بعكس «البنطال»، الذي يَحكمه الرَّقم والمَقاس!
وفيما يَخصّ الألوان، فالنِّساء يُفضّلن الألوان الغَامقة، لأنَّها أكثر أناقة، وأعظم في إبراز الجمال، وقد سَألتُ إحدى قريباتي عن «سر إعجابها» بلبس «الجَلَّابيّة»، فقالت: لأنَّها تَجعلني «آكل على راحتي»، بل آكل أكل مُودِّع، دون أن تَكون «الجَلَّابيّة» عَامل ضَغط عَلى بَطني!
كما أنَّ هناك موضة تتّخذها بعض الأُسَر، بحيث إن بَعض صَاحبات الدَّعوات - في شهر رمضان المبارك- تَطلب مِن الحَاضرات لبس «جَلَّابيّة»، لأنَّها أستر للبَدن وأريح للوَزن!
حسنًا.. مَاذا تَرك القلم، ومَاذا نَسي..؟!
نَسي القلم أن يَقول: إنَّ أمر اللباس يَرجع إلى البيئة والتَّقاليد، وفيه حريّة كَبيرة طَالما أنَّه سَاتر.. و«الجَلَّابيّة» في سياق السّتر تَأتي في المُقدِّمة، فهي سَاترة، لكنَّها شَاسعة، للقَارات عَابرة.. مَتى أدمنت المَرأة لبسها، ستَكون لزيادة وَزنها غير شَاعرة، وإذا صَاحب هذه «الجَلَّابيّة» أكل «حلويّات ومهلّبية» فسَتكون الضَّربة قَاضية، والنَّتائج فَتَّاكَة جَائرة.
فَاصلة:
رَأيتُها تَأكُل المَهلَّبيّة
وتَكسو لَحمها بجَلَّابيّة
فأيقَنتُ
أنَّها «قُذَعْملية»!*
*القُذَعْمِلَةُ: الضَّخمُ مِن الإِبل