أمضيت وفريقي خمسة أيام في اختبار المجسمات الإلكترونية الجديدة التي أنجزها القسم العلمي في الشركة. خمسة أيام لم نرَ فيها أهلنا، ولم نتناول وجباتنا في أوقاتها، ولم ننم ساعات كافية، ولم نخرج، ولم نستنشق هواء غير هواء المختبر المعقم. خمسة أيام مجنونة من القياسات، وإعادة البرمجة، وحساب الاختلافات، وتغيير الركائز، والتسابق مع الوقت لإنجاز المطلوب في الموعد المحدد.
خمسة أيام طويلة جدًا، أطول من الثمانية عشر شهرا التي استلزمها تصور وتصنيع آلية الغطس التي تعاقد المعهد البحري التابع للقوات البحرية الكندية مع شركتنا لإنجازها.
في عصر اليوم الخامس، خلع دومينيك، زميلنا، نظارته وطلب منا أن نترك ما في أيدينا. عملنا انتهى، أو كاد. المجسمات جاهزة، والرتوشات النهائية الصغيرة التي تبقت لنا يمكن أن تنتظر. حان الوقت لنرتاح قليلاً، ونتنفس الصعداء، قبل أن تسلمنا الإدارة عملاً جديدًا.
رحبنا بالفكرة، وأرسلنا في طلب وجبات خفيفة. ساندويتشات وعصائر وحلوى وقهوة. وخرجنا إلى صالة الاستراحة التي حولناها في الفترة الأخيرة إلى غرفة نوم كبيرة فوضاها لا توصف. أسرة نقالة مرمية هنا وهناك، أغطية مكومة، وسائد مطروحة أرضًا، وبقايا أكل وشرب مبعثرة على الرفوف والمناضد. أوساخ وقذارات لم تعد تحرك فيَّ شيئًا، أنا القادم من أسرة تعتبر تنظيف البيت وترتيبه عملاً أخلاقيًّا قبل أن يكون روتينًا يوميًّا يربى الأطفال عليه منذ نعومة أظفارهم.
غيرتني كندا، وغيرني أكثر العمل مع مجموعة موهوبة من المهندسين الشباب الذين لا يكترثون لشيء عندما يجتمعون على مشروع محفز.
وصلت طلبياتنا، وبعث لنا صاحب الكافتيريا الذي يعرف مزاجنا جيدًا، أوراق لعب، ورقع شطرنج، وعلب بازل وداما، وأسطوانات موسيقى سارعنا لتشغيلها والرقص على أنغامها ونحن نتخاطف الساندويتشات وقطع الحلوى المغطاة بطبقات من الكريمة والشوكولاتة والمواد المصنعة. قالت جولي إننا لن نعمر طويلاً. وكانت تلتهم ساندويتش لحم مقلي. وضحك جوش وأندري، والاثنان يتسابقان على أكل حلوى الكابكيك، وأعلن دومينيك أن هذه ضريبة الإبداع. الموت في مقتبل العمر. انهمك جيمي وكلارك في ترتيب قطع البازل، وقررت لوسي أن صوتها أحلى من صوت ليدي غاغا التي تعالى صياحها من إحدى أسطوانات صاحب الكافتيريا.
لم ينتبه أي منا للباب الذي فتح، ولا للزائرين الثمانية الذين وقفوا مشدوهين عند المدخل.
ثلاثة من كبار مسؤولي الشركة: المدير، ورئيس القسم التقني، والمكلفة بالعلاقات العامة. ووفد من القوات البحرية التي كلفت الشركة بصناعة المجسمات. خمسة ضباط بكامل نياشينهم، وأناقتهم العسكرية. فغروا أفواههم في فوضانا، وبدا المدير في قمة الحرج والانفعال وهو يحيينا، ويشرح لنا أنه جاء رفقة الضباط الكرام؛ ليرى «كيف يسير العمل».
لم يكن يبدو علينا أننا أنجزنا شيئًا.
دس كل منا رأسه بين كتفيه. وبقيت ليدي غاغا تصرخ وحدها بعناد وتعلن أنها فاشلة، وتفخر بذلك.