لمحته قادمًا من الخلف، بسرعة جنونية. تجاوزني. لم أتبين شيئًا من ملامحه. لاحظت فقط النظارات السوداء والسترة الداكنة. مجنون آخر يظن نفسه في حلبة سباق. نظرت لساعتي. موعدي يقترب. الزبائن الذين سألتقي بهم في الحسيمة أشخاص مهمون، ومديري كان واضحًا. قرار ترقيتي مرتبط بنتائج مباحثاتي معهم. إن أبدوا رغبة في تمديد عقودهم معنا، فسأعين مديرًا لمكتبنا الجهوي هناك. قفزة عملاقة في مشواري المهني.
أتحرك أنا أيضًا بسرعة، لكنني لا أستطيع أن ألحق بالسيارة التي تجاوزتني، وإن كنت لا أزال ألمحها أمامي. لو كان لديّ ما يكفي من الوقت لتوقفت في إحدى المحطات الطرقية لأتناول شيئًا. لم أفطر هذا الصباح. راجعت ملفات العقود، ورتبت النقاط التي سأتحدث فيها مع زبائننا، وحين هممت بأن أحضر شيئًا، أتاني تليفون زوجتي التي تركتها عند عائلتها في الجنوب. تتصل دائمًا في الصباح لتسأل عن مشاريع يومي، وتعيد الاتصال مرات متكررة في اليوم لتتأكد من أقوالي. شكوكها المرضية تثير حنقي في العادة، ولكنني اليوم مشغول بما يكفي، ومتوتر للغاية.
أرحت دماغي وأعطيها ما طلبته من معلومات.
تجربتي الزوجية الحديثة تؤكد أكثر فأكثر لي أن النساء مجنونات حقًا.
زمر سائق السيارة التي سبقتني. كنا قد اقتربنا من الحسيمة وخفضنا سرعتنا. اشرأببت بعنقي لأرى ما يحدث. سائق دراجة نارية خرج من طريق جانبية، ولم ينتظر مرورنا. حاول سائق السيارة تفاديه، لكنه لم يفلح. صدمه بمقدمة سيارته، وطارت الدراجة النارية في الهواء، وفوقها سائقها، وقطعا بضعة أمتار قبل أن يسقطا على الطريق الجانبية المعشوشبة.
لم يتوقف سائق السيارة. اندفع هاربًا، بل وزاد من سرعته.
ضغطت على مكابحي وانعطفت يمينا وتوقفت. وجريت إلى الشخص المرمي أرضًا وأنا أتوقع أن أجده في حالة مزرية، فالصدمة كانت قوية، وقفزة الهواء مروعة.
انحنيت عليه، وقبل أن أدرك ما يحدث، عاجلني بلكمة قوية، تلتها أخرى، ثم أخرى. ولفني الظلام.
حين فتحت عيني، كنت أرقد في غرفة قوية الإضاءة. رأسي يكاد ينفجر من الألم، عيناي لا تريان بوضوح، وأنفي مغطى بالضمادات. رفعت يدي لأتحسسه.
« الحمد لله على سلامتك. أنا أدين لك باعتذار كبير»
أدرت وجهي المتورم بصعوبة نحو الشخص الذي كلمني. مريض يرقد في السرير المجاور. شاب قوي البنية، مفتول العضلات، تلف رأسه ضمادات كثيرة.
« لا تتذكرني، أليس كذلك؟ أنا سائق الدراجة النارية الذي ضربك. أنا آسف حقًا. ظننتك المعتوه الذي صدمني. أخبرني الناس أنه هرب. والشرطة مازالت تلاحقه...»
تذكرت ما حدث.
« أرجو أن تعذرني. ذلك الجبان لن ينفذ بجلده. بسببه تأخرت عن إحضار الإسعاف لوالدي. كان يمكن أن يموت، لولا رحمة الله!»
تذكرت موعدي. وشعرت بسقف الغرفة الواطئ يهبط فوق رأسي.