المشكلة مع الجيران

كان آخر ما يتوقعه أن ينسحب الجيران من الحي؛ احتجاجًا على لوح الزجاج المكسور.

بدأت الحكاية -التي لا أزال أتذكرها رغم مرور أكثر من عشرة أعوام- بمباراة في كرة القدم بين أولادنا وأولاد الجيران، وفي لحظة من لحظات التهور الكروي انفرد أصغر أولادي بمرمى الخصم وسدد قنبلة غير محكمة، فبدلاً من أن تمزق الشباك الوهمية للمرمى، اندلعت كقذيفة أرض جو لتحطم زجاج شرفة الجيران، المطلة على مرمى أولادهم.

مسألة تافهة كما ترون، لكن تداعياتها كانت مذهلة:

1 - احتجز الجيران الكرة التي اشتريتها لأصغر أبنائي من ألمانيا مشفوعة بقميص فريق بايرن ميونيخ. الكرة في حد ذاتها لا شيء، لكن لها قيمتها التاريخية والجغرافية، إذ إني اشتريتها أثناء وجودي ببرلين للاشتراك في مسيرة صامتة بالشموع في ليل 15 مايو 1998؛ احتجاجًا على مرور نصف قرن على النكبة.

رجعت من ألمانيا بسترة جديدة أفسدها الشمع الذي كان يتساقط ذوبُه المنصهر على السترة الألمانية متقنة الصنع طوال المسيرة، وكنت صامتًا، متعجبًا: لماذا يحدث لي هذا وحدي، كما رجعت بقميص البايرن الشهير، وبتلك الكرة الجميلة، التي مزقها الجيران في الشرفة انتقامًا.

2 - ظل ابني الأصغر (البالغ من العمر الآن 9 أعوام) يبكي على كرته طوال الليل، وفي الصباح –وكان اليوم جمعة- قاد إخوته الأكبر منه سنًا والأضعف شخصية إلى هجوم بالطوب على شرفة الجيران أسفر عن مزيد من الألواح المتكسرة.

3 - كان من الطبيعي أن يصعد النزاع والحال كهذه إلى المستويات الأعلى. فوجئنا بجرس الشقة يصرخ في يد مصرة على الدخول كعاصفة. دخل رب أسرة الجيران، وفي يده أذن ابني الأصغر محترف الإجرام الذي كان يجاهد الاعتراف بالألم في عناد يليق بالمحترفين. (كانت أذنه مازالت جزءًا من رأسه والحمد لله). ودار الحوار التالي:

 - تفضل ابنك المحترم محطم الألواح. فلم يعد في شرفتنا لوح زجاج سليم!

ثم أشار إلى منظر مؤلم حقًا، عين السيدة زوجته وقد تحولت لكرة تنس سوداء وأضاف:

-  وهذه أيضًا طوبة من طوب المحروس ابنك.

في الواقع لم أستطع أن أتكلم، كنت على وشك أن أضرب الرجل وأنا أرى أذن ولدي مازالت تتلوى في يده، لكن منظر عين الجارة عقد لساني، إلا أنني أخيرًا قلت:

- دع أذن ابني أولاً ثم نتكلم.

4 - أمعن الجار في قرص الأذن بسادية، وتعالى بكاء الولد فلم أستطع تمالك نفسي، وأضفت كرة تنس حمراء إلى وجهه شخصيًا، فما كان منه إلا أن انهال عليّ ضربًا، وفي أقل من دقيقة كانت الزوجتان والجيل الصاعد كلهم يتبادلون الضربات.

5 - أصبت بارتجاج في المخ، وانكسرت ساق زوجتي، وتكسّرت بعض أضلاع ولدي الشقي، وعلمت أن الجار وزوجته وبعض أولاده في المستشفى نفسه، وفي حالة لا تختلف كثيرًا عن حالتنا.

6 - رغم كل هذا حين غادر الجيران الحي كله إلى جهة غير معلومة، تعجبت وحزنت.

لقد استطاعت كرة من الجلد المنفوخ أن ترسم مصير أناس ربما كانوا في الأصل ودعاء عقلاء. أم أننا الذين سمحنا للجماد بأن يقودنا، وللصدفة أن توجه إرادتنا؟

ربما كان الأمر ما جبلنا عليه من كبرياء، ومن تحيز لأنفسنا. كل هذا جائر مع أنه لا يجوز!