الموعد

صارت تنسى كثيرًا في الفترة الأخيرة. تنسى مواعيدها، أرقام هواتف معارفها، أسماء بعضهم، لوائح مشترياتها... لا تدري كيف حدث ذلك، كيف تدهورت حال ذاكرتها. لا تعاني من مشاكل صحية، ولا من ضغوط محددة، ولكنها تفقد تركيزها كل يوم أكثر، وتتساءل إن كان عليها أن تأخذ الأمر بجدية أم تنتظر لترى. ربما تمر بفترة عصيبة لا تشعر بها. أزمة الأربعينيات مثلاً. العنوسة. الوحدة. وكل هذه الأمور التي تسمع عنها كثيرًا، وتقرأ عنها أيضًا، ولا تفكر فيها.

لا تشعر بأن شيئاً ينقصها.

عملها محفز. سكنها مريح. أحوالها المادية جيدة. وحياتها مليئة بما يكفي بالأحبة والأهل والخروجات والسفريات والمشاريع الكثيرة.

تعكف على التحضير لمعرض جديد.

تساعد إحدى قريباتها في التجهيز لحفل زفافها.

وتستعد للمشاركة في مغامرة لم يسبق لها أن حلمت بها. تسلق أحد أعلى جبال أفريقيا مع مجموعة فيسبوكية قررت الإقدام على هذه الخطوة من أجل التحسيس بمشاكل الرقابة التي يعاني منها رسامو الكاريكاتير في مناطق كثيرة في القارة!

كل هذا... وأشياء أخرى لا تذكرها الآن. 

تتقلب في فراشها هذا الصباح، وتحاول أن تتذكر اسم اليوم. الأربعاء؟ لا. لم يرن المنبه. وهذا يعني أن اليوم يوم إجازة. السبت أو الأحد. ماذا فعلت أمس؟ هل ذهبت للجريدة؟

ذاكرتها تصبح ضبابية أكثر فأكثر.

وهذا الأمر يفزعها.

قامت من السرير، وفتحت مذياع المطبخ، وانهمكت في تحضير شاي الصباح. ما دام اليوم إجازة فبإمكانها أن تؤخر موعد الفطور ما شاءت. تعمل في المرسم على هواها، ولا تقيد نفسها بمواعيد عمل محددة.

حيت مذيعة برنامج الصباح في الراديو مستمعيها، وذكرتهم بالوقت، وتمنت لهم جمعة مباركة.

جمعة؟ خنقتها رشفة الشاي الساخن، وقامت تجري لغرفتها. الجريدة. خطفت سماعة الهاتف واتصلت بمسؤولة القسم الفني؛ لتعلمها بأنها في الطريق. وجاءها صوت رئيستها البارد يتساءل عن مصير إجازة نصف اليوم التي طلبتها أمس. 

إجازة؟

 تذكرت. ستستقبل شخصاً ما. شخص سيأتي للبيت. 

من يا ترى؟ من؟

ثقل رأسها، وقامت بعزم تربطه بوشاح، وتشمر عن ساعديها. كائناً من كان زائرها فلا يجوز أن تستقبله والبيت مليء بالفوضى.

نفضت الأثاث، ورتبت الغرف، ومسحت الأرضية، ولمعت المناضد والرفوف، وغسلت أواني المطبخ، وفتحت النوافذ، ورشت المعطر في الهواء، ووقفت تتأمل المنظر الذي أصبحت عليه شقتها وهي تلهث من التعب.

 لن تخجل من زائرها.

أسرعت تغير ثيابها، وتصفف شعرها، وتستعد لاستقبال ضيفها الغامض.

لم يطل انتظارها.

رن جرس الباب، وقامت لتفتح.

ابتسمت لها شابة في مقتبل العمر: «أنا الخادمة الجديدة. قالوا لي في الوكالة إنك ستكونين بانتظاري. بماذا تريدين أن أبدأ؟»