كأن ثعبانًا أخضر العينين ينفث في وجداني فحيحه الرتيب الناعم، كأن بحرًا أخضر الموج يبتسم لي زبده ألف بسمة ماكرة وبسمة، بسمة كالغمزة تتريث قليلاً قبل أن تختفي، ويبقى أثرها في الروح، وملايين المحار يقلد في أذنيّ صوت أبيه البحر الكبير. إن أناملك النحيلة وشفتيك وعينيك نعاس يطل منه المرء صباحًا، لكنه مغيّب عن نفسه وأهله ووطنه.
أردت أن أشكوك للرحمن ففقدت النطق، أردت أن أمضي مبتعدًا ففقدت الحركة، أردت أن أغمض عينيّ؛ لأصحو فأبى الجفنان أن ينطبقا، كأن جسدي يتآمر ضدي معك، حتى نعمة العقل التي حبانا بها لله تستمرئ الوضع وتحبذ وتعطل الإرادة؛ لكي يظل عقلي -الذي ظننته من قبل ذكيًا- يحملق فيك بلا نهاية، ويغوص أكثر فأكثر تحت الماء الأخضر الدافئ، ويسحبه البحر إلى كهف في قاعه تزينه الأعشاب والقواقع الموشوشة، ويمهد أرضه اللؤلؤ والمرجان.
أراك تجلسين على عرش اللؤلؤ، نظرتك الثابتة فيها حنان وفيها ابتسام.. ابتسام ماكر، وفيها لمعة تقول:
- أيها السيد الغريق، الواقع تحت بحر استوائي أخضر، لا تحاول أن تلصق بي تهمة غرقك. لقد توغلت في جمالي بإرادتك.
- أنتِ التي لاحقتني بنظرتك..
- أنت الذي استسلمت من أول لمحة..
- لقد تريثت عيناي نصف دقيقة.. فقط نصف دقيقة؛ لأتأمل هذا الجمال..
- إذن، فما حدث كان اختيارًا، لم أخطفك كالنداهة أو عروس البحر..
- البحر ناداني.. آلاف القواقع كانت توشوش أذنيّ، وما زالت وما زالت!
- اهدأ. ماذا تريد؟ أتريدني أن أعيدك إلى بلادك!
- [يتمزق بين قطبين].. لا. أريد.. أن أبقى معك.
- إذن لا تحتج بعد الآن على أي شيء أفعله.
- (خائفًا): وماذا تريدين؟
- (مبتسمة بدلال ومكر) أن أحولك إلى سمكة.
>>>
استغرق تحويلي إلى سمكة وقتًا طويلاً جدًا تحت الماء (لكنني اكتشفت فيما بعد أنه يعادل على البر نصف دقيقة). وفي النهاية خرجت من العملية سمكة ذكرًا ذات حربة شوكية تبرز من أنفي طولها حوالي 30 سنتيمترًا وذيل قوي يسبح بسرعة 111 كيلومترًا في الساعة، وجسد لا بأس به، حيث يبلغ طوله، بالذيل والحربة، مترًا ونصف المتر، واللون أحمر قانٍ، أو قولي نبيذيًا.
أثناء هذا الحدث الهام، كنت أفتش طوال الوقت عن السر، عن الحكمة من كل هذا...
- لكي أتزوج بك..
اجتاحتني فرحة هائلة، لكنني حاولت أن أتمالك نفسي بقدر المستطاع؛ كي لا أبدو أمامها متيمًا مولهًا بها، فسألتها بكل ما أملك من وقار واتزان:
- ولكنك أنتِ إنسية؛ فلماذا تتزوجين رجلاً ذا ذيل وزعانف؟
- إن لي قدرة على التشكل يا حبيبي، ولقد تصورت لك باللغة التي تفهمها: لغة الأذرع والعيون والأهداب والأيدي والأقدام والشفاه والخصلة المنسدلة، لكنني هنا في بيتي.. على عرشي المجدول من المرجان واللؤلؤ والأعشاب السامة والمخدرة.
وأرتني نفسها في صورتها الحقيقية: كان نصفها الأسفل -كما هو معروف في كل الحواديت المشابهة- سمكة وردية اللون من الذيل إلى الخصر، والباقي جمال آخر، اعتاد الناس على البر أن يجنّوا من أجله.