كنت أتشاجر مع نفسي لطردها من نظامي الشمسي، وكلما زاد البرد وطأة على الأصابع انتشرت النار في جسدي كالحصباء.
برد وشتاء وحظر تجول بأمر الصقيع، وكأسا الشوكولاتة الساخنة أمامنا في موعد اللقاء.
شيء يجذب وأشياء تطرد، وقصة بالطبع، نسيت أولها وآخرها والمنتصف.
كل ما أتذكره منها أحاسيس اختلط اللهيب فيها بالثلج والبرد، وكأسا الشوكولاتة على المائدة نصف ممتلئين.
وأنا مستلقٍ على رمال الشاطئ والرمال حارة ناعمة، بين الساخنة والدافئة، مغمضًا عينيَّ إغماضة كاملة، رأيت مرقصًا ليليًّا، الفساتين عارية بعض الشيء ومعاطف الفراء معلقة في المدخل.
في الخارج كان هواء الليل مبيضًا ببخار الثلج، وكان الثلج يتعلق بفراء الثعلب، وكان الثعلب نائمًا وعيناه نصف مفتوحتين، والعسل يتدفق من حدقتين ماكرتين.
اليد باردة نار، النظام الشمسي ثلج، البرد خارج الباب متواطئ مع النار في القلب، والريح الثلجية تدوم معلنة حظر التجول، فتعربد الأحلام، وتخرج في كرنفالات حاشدة تجوب شوارع الروح والجسد.
نائمًا على رمال الشاطئ كنت أتصفح مجلة، في المجلة صورة، في الصورة رموش تخفي نصف إخفاءة عيونًا ماكرة.
وتجولت في شوارع الخيال رأيت رجلاً يخلع ملابسه في الطريق والجو شتاء، مستفيدًا من النار بالثلج، لكن الثلج اشتعل حين لامس لحمه وتأجج نارًا حمراء.
وأمعنت في التجوال فرأيت امرأة ترقص على سور شرفة بيتها متحدية حظر التجوال، فانزلقت قدمها بفعل بخار الثلج على حافة السور، لكنها انفجرت عند ارتطامها بالأرض وصعدت منها بالونات حمر تعلن قدوم موسم الورد. اتهمت نفسي بأني مهرج عاطفي، وشاعر هاوٍ يحاول أن يأتي بقصة فلا تخرج شبكته من البحر إلا ببعض المحار.
اتهمت نفسي بافتعال المعاني لملء البياض بسواد المداد، لكن الحر والبرد، والبرد والحر، تناوباني فلم أجد في أيهما إلا نارًا وقلبًا يرتعد.
وسواء عندي أن أستلقي مستجمًّا على رمال وثيرة، بين الحارة والدافئة، أو تصطك أسناني من الجوع والبرد في مدينة شمالية قاسية، فالبرد والنار متلازمان عندي في كل لحظة، في الصيف والشتاء، مدفونًا في الرمل حتى العنق، أو ملتفًا في أغطية الصوف، في الحجرة أو في الطريق، في الواقع أو في الخيال، وإذا كان الحر نارًا فالبرد نار أشد؛ لأن الثلاجة خارج الجلد توري تحت الضلوع نار المدفأة، وأرمي العقل والخيال في تلك النار حطب الذكريات والأحلام ليزيدها تأججًا
فسبحان من جعل الصيف والشتاء شوقًا واحدًا.