لا أحد يعلم كيف وصل الخبر إلى الشباب، تجمعوا في الخلاء المحاذي للطريق المهجورة، وناقشوا الأمر بحدة بالغة:
يجب أن نتحدث إليه، منحناه أصواتنا وجرينا معه طيلة فترة الانتخابات يدين لنا بكل شيء...
وكيف سنصل إليه يا فالح؟ هل تظنه يتنقل بمفرده؟ هذا برلماني... افهم! برلماني، رجل حكومة، لديه حاشية وأمن وعسكر وناس مهمتهم الأساسية عزله عنا...
يقولون إنه سيأتي في زيارة خاصة، يعني بدون مرافقين...
أنت تهذي، يستحيل أن يخطو خطوة واحدة دون حراسة؛ للرجل أعداء...
ما العمل إذن؟ يجب أن نكلمه، الفرصة لن تتكرر...
ما رأيكم في كتابة خطاب له؟ سنرى كيف نوصله...
لن يقرأه أبدا، هذا إن وصله، وحتى إن قرأه، فلن يتردد في تمزيقه.
لا، علينا أن نراه وجها لوجه، ونذكره بكل ما فعلناه من أجله، ونطلب منه مساعدتنا...
ارتفعت الأصوات، وازداد التوتر، وانقسم الشباب إلى جماعات.
زيارة البرلماني الذي لم يف بأي من الوعود التي قطعها لهم أيام الانتخابات قلبت مواجعهم، وأثارت حنقهم، ما زالوا يدورون حول أنفسهم، لم يوفر لهم وظائف، ولم ينفذ مشاريع في القرية، ولم يبن مدرسة للصغار، ولم يصلح الطريق، ولم يأت بالقافلة الطبية التي قال إنها ستفحص الناس بالمجان، وتقدم لهم الأدوية، لم يفعل شيئا، لم يُعِد حتى طلاء الجدران التي غطتها ملصقاته، ومنها جدران الجامع، اضطر الناس إلى صبغها بأنفسهم، جاء كالعاصفة، ورحل وترك الكثير من الغبار والفوضى خلفه.
نحن نهدر وقتنا، كنا حمقى عندما صدقناه. هيا... لنلعب...
تبع بعض الشباب الفتى الذي رمى كرة قدم في الخلاء وجرى خلفها، صارت عزاءهم الوحيد، ينشغلون بها عن الإحباط الذي يغلف حياتهم، ينسون لبعض الوقت أنهم درسوا وحصلوا على شهادات ولم يفلحوا في العثور على عمل، الوظائف قليلة، والخريجون كثر، والمعيشة في المدينة غالية، الكرة تنسيهم كل هذا، وتلهيهم، وتذكرهم بأنهم لا يزالون شبابا قادرين على الركض واللهاث والاستمتاع بشكل ما بالحياة.
والعمل؟
تردد السؤال في نهاية المباراة.
لا يمكن أن يتركوا الرجل يذهب دون أن يكلموه.
أتى في وقت ما، لا أحد يعلم متى بالضبط، سرى في القرية خبر وصوله، ولم يره أحد.
أين يختبئ؟ -تساءل الشباب بحنق- أي رجولة هذه؟ هل يخشى مواجهتنا إلى هذا الحد؟
وأنتم الذين تنتظرون منه أن يحل مشاكلكم! الرجل كذاب، ومراوغ! افهموا وأريحونا.
تعب الشباب.
لا أثر له، شكّوا في حضوره أصلاً للقرية، واستسلموا، وعادوا إلى واقعهم الروتيني الكئيب.
ثرثرة، تسكع في الطرقات، كرة، وأحلام بعيدة المنال.
كانوا في الخلاء، مساء اليوم الثالث من الإشاعة، يجرون خلف الكرة، والعرق يغطيهم.
تعثر أحدهم بحجر، والتوى كاحله، وتحلقوا حوله، وقال الفتى: تتذكرون؟ وعدنا أيضا بأن يجهز لنا ملعب كرة...
أجل، أجل... وميدانا للفروسية، ومسبحا، وقاعة رياضية. بالله عليكم انسوه، ضحك علينا وأخذ أصواتنا وأصوات السذج الذين أقنعناهم بالتصويت له...
تبًّا...
أطلق شاب شتيمة حارة، وضرب الكرة بحنق، وأرسلها بعيدا.
كانت ثمة سيارة سوداء مارقة بسرعة خاطفة من الطريق المنعزلة، طارت الكرة نحوها، تدحرجت فوق الإسفلت المتآكل، وتباطأت سرعتها، ومرت تحت العجلات الثقيلة التي دهستها بقوة، وابتعدت تاركة خلفها قطعة مطاط مسطحة.
اللعنة...
جرى الشباب، قلبوا بقايا الكرة غير مصدقين.
اختفت السيارة.
تناقل السكان تلك الليلة خبر رحيل البرلماني، كان في ضيافة أحد وجهاء المنطقة، تكتم على زيارته، وحال دون إزعاج الناس له، وكفل له ما جاء يبحث عنه، الراحة بعيدا عن البشر، والإعلام، والسياسة.
لم يره أحد.
مرت سيارته من الطريق المهجورة المحاذية للخلاء، حيثُ يلعب الشباب، ودهست كرتهم.