كلما شاهدت نملة أشعر بالذنب، فأنا كتبت عن معظم الحيوانات، لكنني تجاهلت هذه السيدة العظيمة، التي جاء القرآن حاملاً اسمها في إحدى سوره..!
والحديث عن النملة حديث يسوقه الإغراء، ويدفعه الإثراء، فهي معطاءة عاملة ناصبة، لا تصلى نارًا حامية..!
وقد ذكر العلماء المهتمون بالشأن «النملي» أنه لا توجد في الكون نملة فقيرة، والسبب أنها تجيد الاقتصاد والتدبير، دون أن تتخرج في هارفارد، أو أكسفورد، فمنهجها الاقتصادي رباني بامتياز..!
كل هذه الحوافز، والطموحات الكبيرة، والعقلية الراشدة عند النملة، جعلتني أعيد النظر في أحد التشبيهات السابقة، التي شبهت فيها المرأة بالبقرة، لذا سأفكر بالارتقاء بالمرأة وأصفها بالمرأة النملة، من باب التفاؤل بأن يغير الله حالها، وتصبح مجتهدة مثل أختها في صفة «الكائن الحي» النملة، لأنك تجد ملايين النساء يعشن في فقر مدقع، في المقابل لا تكاد تعثر على نملة واحدة تعاني من ضيق العيش..!
ومن جهة أخرى فإنك تجد ملايين النساء الخوامل، في حين أنك لا تجد نملة خاملة، أو حتى واقفة، فهي لا تشاهد إلا مقبلة، أو مدبرة، انتشارًا في الأرض، وطلبًا للرزق، وهناك قصة ذكرها «الصابوني» في كتابه «النبوة والأنبياء»، تدل على دقة الاقتصاد، وبراعة التدبير عند النمل، حيثُ يروي أن النبي «سليمان» مرّ بنملة، وسألها كم حبة قمح تأكلين في العام، فقالت آكل حبة واحدة، فما كان من «سليمان» إلا أن وضعها داخل صخرة، ووضع معها حبة قمح، وبعد عام جاء وكسر الصخرة، فوجد أن النملة قد أكلت النصف، فقال لها: ويحك، كيف تكذبين عليّ..؟! فقالت: يا نبي الله، لقد كنت آكل قمحة في السنة؛ عندما كنت طليقة في الأرض، والله يرزقني، أما الآن فقد وضعتني في هذا القفص وحبستني، وأنت بشر، وقد تنساني عامًا آخر، فأحببت أن أحتاط، وأتدبر معيشتي في سجني..!
أما من ناحية الكلام، والثرثرة، فأنت تجد أن المرأة كثيفة الإنتاج في الكلام، الذي لا يفيد أغلبه، بل إن أحد الباحثين أكد أن المرأة لا تغلق فمها إلا عندما تنام، وبعضهن يتحدثن وهنّ نائمات، أو على الأقل يفتحن أفواههن من غير كلام، استعدادًا للثرثرة حين الاستيقاظ..!
أما النملة، فهي قليلة الكلام، بليغة الخطاب، دقيقة في السؤال والجواب، حيثُ قالت عندما أقبل عليها «سليمان» وجنوده، كما ورد في سورة النمل: «قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»..!
وقد ذُهل بعض العلماء من فطنة وذكاء هذه النملة، لأنها تكلمت بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة: يا: نادت، أيها: نبهت النمل، ادخلوا: أمرت، مساكنكم: نصت، لا يحطمنكم: حذرت، سليمان: خصت، وجنوده: عممت، وهم لا يشعرون: اعتذرت..!
وأغرب ما ذكر عن النمل في العصر الحديث قصة -لم تثبت صحتها بعد- تلقفها دعاة الإعجاز العلمي حول إمكانية خلق النمل من الزجاج، لكن الشائعات المحيطة بهذا الأمر؛ والقصص «المؤامراتية» التي تنسج حوله، تضعف من مصداقيته، إذ تتناقل بعض المنتديات «الإنترنتية» أن مجموعة من العلماء الغربيين حاولوا قبل أعوام؛ أن يشككوا في القرآن، فبحثوا عن أي خطأ، ليثبتوا بالحجة أنه ليس كتابًا سماويًّا، فدرسوا القرآن الكريم بعناية، متمعنين في آياته، حتى استوقفتهم كلمة «لا يحطمنكم» الواردة أعلاه في الآية الكريمة، حيثُ اعتلت وجوههم الغبطة والسرور، وقالوا إن كلمة يحطمنكم تعني التهشيم، والتكسير، متسائلين كيف يمكن لنملة أن تتحطم..؟!
ويمضي المحتفلون بما اعتبروه إفحامًا لمن يسمونهم «ملة الكفر»، غير عابئين بمنهج البحث العلمي، ولا بمصادره وأدواته، زاعمين أن هؤلاء العلماء بدأوا بنشر اكتشافهم، لكن بعد أعوام ظهر عالم أسترالي –على ذمة المنتديات أيضًا- أفنى حياته في دراسة النملة، فأصيب بالذهول حين وجد ما لم يكن في الحسبان، وهو أن النملة تحتوي على نسبة كبيرة من مادة الزجاج، ليؤكد دقة وصف «يحطمنكم»، وزعم ناقل الموضوع أن العالم الأسترالي أعلن إسلامه عقب هذا الإعجاز العلمي..!
وطالما أن كل من يتناقلون هذا الموضوع؛ يذكرون أنهم سمعوه في محاضرة للداعية الفلاني، ولم يكن الداعية، ولا مريدوه شهودًا، ولم يدخلوا المختبرات العلمية المذكورة، فإن القصة تبقى مفتوحة لكل الاحتمالات..!
ولو كنت امرأة ـ ومن حسن حظي وحظها أنني لست كذلك- لطرت فرحا بـ«زجاجية النمل»، ولما تركت فرصة لـ«زغلول النجار» وغيره ليختطف مجرد احتمال هذا الإنجاز العظيم، لأن المرأة بلا شك تغبط النملة على الخصائص والمزايا التي تتمتع بها، وها هي الفرصة سانحة لاكتشاف علاقة المرأة «القارورة» بالنملة «الزجاجة»، فقد ورد في الأثر وصف النساء بـ«القوارير»، في إطار الحثِّ على العناية بهن، وتغليب الرحمة على التعاطي مع شؤونهن.. فهنيئًا لهن، لكن حذارِ يا أختاه أن «تتكسري» بعد اليوم في المشي، والاندفاع في الابتغاء والسعي..!