|
رب يوم بكيت منه فلما صرت
في غيره بكيت عليه.
مقولة صادقة وواقعية، ونعرفها تمام المعرفة ونمارسها بحذافيرها، ونعيشها ببقية جراح غير معلنة، جراح تعيش في أعماقنا، ولم نستأصل التلوث الذي بها، ونظل نبحث في عيون منْ حولنا، فلا نجد سوى الحزن يكسو معظم الوجوه.. فلنعد ونتذكر مواقف مّرت علينا في حياتنا، كنا نعاني فيها من المتاعب، ماذا فعلنا فيها؟! تقوقعنا على أنفسنا، وجلسنا أيامًا وشهورًا نجتر فيها أحزاننا وآلامنا، وعندما مضت الأحداث، ومرّ بنا العمر، اكتشفنا أننا كنا في نعمة كبيرة، عندما نتخيل كيف كنا نعيش في لحظات أخرى السعادة، ولكننا لم ندرك أنها كانت سعادة، لأننا من شده لهفتنا وبحثنا عنها نُصاب بالقلق والتوتر، وتمضي الأيام والليالي وتنقضي، ونحن مصرون على البحث عنها، والتفكير المستمر فيها، وطرح الأسئلة على أنفسنا، لماذا نحن تعساء؟! ولماذا نحن دون الآخرين؟! المشاكل لا تكل ولا تمل ولاتزال تتفنن في تعذيبنا من كل جانب، ونتخيل أن معاناتنا لم يذقها غيرنا من البشر، وأننا المعذبون في الأرض، والمظلومون في هذا العالم، والمحرومون من كل ما هو ممتع، ونندب حظنا، ونتمنى أن تنتهي حياتنا لتتوقف آلامنا، ولا نزال نفكر ونفكر حتى تمر السنوات تلو السنوات، وبعد فوات الأوان أيضًا نكتشف أننا كنا نعيش في نعمة ومتعة ونعيم، لكننا كنّا غافلين عن الموجود بالبحث عن المفقود، ونعود بعدها ونندم للمرة الألف، وفي بعض الأحيان يظل المرء منا يبحث ويجري ويلهث عما ينقصه، ويظل يكابد ويصارع حتى يصل إليه، وينسى أن يعيش بما لديه، ويشغل نفسه بالبحث خارج نطاق حدوده، ويجهل ما لديه من مقومات وإمكانات قد لا يمتلكها غيره، وقد يصل البعض في حالة عجزه عن تحقيق هدفه البعيد المدى إلى حد الاكتئاب، علينا ألا ننسى أن قوة علاقة المسلم بالله حصن منيع، فمن يتق الله يجعل له مخرجًا، فلا نعيش حالة من القلق والتوتر، ونعدد مشاكلنا التي تواجهنا في حياتنا اليومية، بل علينا أن نحسب عدد الدروس المستفادة التي تعلمناها، وعدد الخبرات والحكم التى استفدنا منها، ولنعش الرضا، ولننظر حولنا، فهناك أمور بسيطة وصغيرة في حياتنا تستحق أن نشعر معها بالسعادة، فلا ننشغل عنها بالبحث عن أشياء بعيدة المنال، ولا نظل نندب حظنا ونلوم أنفسنا ونجلد كياننا، وفي زحمة الحياة لا ننسى أن ننتبه ونبتعد عن لصوص الطاقة، وهم عينة من البشر، يتمحور دورهم الرئيسي في إرسال رسائل سلبية؛ ليستنزفوا من أعماقنا الطاقة الإيجابية، ويقوموا بإحباطنا، ولنثق بأن بداخلنا طاقة جبارة، أودعها الله تعالى فينا،
ولنتوقف ولنتعلم فن التعامل مع أنفسنا، وبعدها نتعلم فن التعامل مع الآخر، ولابد أن نرضي الله سبحانه وتعالى قبل أن نرضي ذاتنا، ونقوي صلتنا به، ولنثق ونحسن الظن به، كما أن رضا النفس غاية لاتدرك، لأن الناس لن ترضى عنا إلا إذا كنا راضين عن أنفسنا، ولو فكرنا بالمنطق وبالعقل، لفهمنا أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض نال السعادة الكاملة، والإنسان السعيد حقًّا هو منْ يحاول أن يدرك أن التغيير إلى الأفضل هو الحل الأمثل، فالحياة من حولنا فيها الكثير والكثير ما يمدنا بالراحة والسعادة، لو أردنا نحن ذلك، ولو تمسكنا بجمال اللحظة التي نعيشها سنشعر بها، وهناك الآلاف من الأساليب التي تمهدنا لحب كل ما هو جميل، فتعالوا لا ندع أيامنا تمر ونحن نتفرج عليها، تعالوا نناضل ونجاهد من أجل الحصول على سعادتنا حتى ننالها، فقد تكون أمامنا وبين أيدينا ولكننا لا نراها، أو نراها ونتركها تضيع منا تكبرًا وعنادًا وجهلاً، وليس في العمر بقية للمكابرة، علينا في البداية أن نفتح ثغرة ولو بسيطة، لينفذ منها بصيص نور، وذلك كفيل بتبديد ظلمة التعاسة، لأن السعادة لن تدق بابنا، ولن تأتي إلينا، بل علينا أن نجاهد في البحث عنها، وأن ندرك بأن الماضي فات، فلن نستطيع تغييره، ولانحاول التفكير فيه، والحاضر أمر مجهول ليس بأيدينا، فلنعش يومنا ونستغله فيما يرضي الله، ثم يرضينا، ولا نجعل لليأس طريقًا إلى قلوبنا، فاليأس يغمض العيون.. فلا نرى الأبواب المفتوحة ولا الأيدي الممدودة