لم يعد بمقدورنا تجاهل وسائل الإعلام التي فرضت وجودها على حياتنا وحياة أطفالنا، خاصة أنَّ العديد من الدراسات تشير إلى انكماش دور الأسرة في التربية وتراجعها لحساب التلفاز، إذ تتجاوز فترة مشاهدة الطفل له عدد الساعات التي يقضيها في المدرسة أو في رفقة الأبوين، لذا يعد من أخطر مصادر الإعلام الموجهة؛ لما له من جاذبيَّة خاصة، فما زالت وسائل الإعلام تثير الجدل حول ما تتركه من آثار، فالمتتبع لبرامج الأطفال يتلمس ضعف الاهتمام الذي يوليه الإعلام لتلك النوعية من البرامج التي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة وآليات متطورة وكوادر مؤهلة، ولأن المرحلة الأولى في بناء شخصيَّة الإنسان تبدأ منذ الطفولة؛ وما يتلقاه الطفل في هذه المرحلة من وعي ديني وتربوي وثقافي يسهم بشكل كبير في بناء شخصيته ووعيه فماذا ننتظر من جيل تربى على أنَّ العنف هو أكثر الوسائل إثارة وتشويقًا وتسلية وترفيهًا، بل بات العنف أسلوب حياة يشاهده الطفل يوميًا حتى المسلسلات والأفلام الكرتونيَّة الناطقة باللغة العربيَّة أو المعربة الخاصة بالأطفال ماذا نستخرج منها سوى الصراع والمنافسة ومعارك ينتصر في نهايتها الخير؟ لكن بأي طريقة ينتصر؟! والآثار السلبية متعددة؛ لأنَّهم لا يشاهدون فقط البرامج المخصصة لهم، بل يشاهدون أيضًا البرامج الموجهة لغيرهم، ويقلل بالتالي من فرص القراءة لديهم ويؤثر في متابعة دروسهم، كما يروج لأشكال من التربية الموازية التي تلحق الضرر بدور المؤسسات الدينيَّة والتربوية، وقد تعطل قدراتهم العقليَّة والفكريَّة، كما أنَّ سماع الطفل للألفاظ العاميَّة والسوقيَّة يؤثر في لغته العربيَّة ومفرداته اللغويَّة، ويؤثر على براءته عن طريق تكثيف بعض القنوات لمشاهد العنف والجنس كونه لا يفرق في هذه الفترة بين الحقيقة والخيال الأمر الذي يعرضه لحالات نفسيَّة أهمها الخوف والقلق، وقد تصل أحيانًا إلى درجة من الخطورة على حياته، ومن جهة أخرى لو بحثنا في محلات الألعاب فسنجد أنَّ المشوقة منها عبارة عن صواريخ ودبابات ومسدسات ومدافع يستخدم فيها أقوى وأشرس الحركات، أما في المكتبات فتلفت نظرهم القصص المرعبة والخياليَّة والخرافيَّة، وهي قصص لوجوه تمثل لهم البطولة، فالقوة الخارقة هي المقياس بالنسبة لهم، ومما لا شك فيه أنَّ الطفل عرضة للتأثيرات المختلفة التي تنتج عن مثل تلك المشاهدات، سواء ما كان منها إيجابياً أم سلبياً، لذا كان لزامًا على الأسرة القيام بدورها كما ينبغي، وأن يجعل الآباء من أنفسهم قدوةً لأبنائهم، وأن يشاركوهم متابعة البرامج ومساعدتهم من خلال تبني الحوار الفاعل والهادف على وجه يجاري العصر؛ حتى تتاح لهم الفرصة لتوجيههم إلى المواقف والمشاهد المهمة، وبيان الفائدة منها مما يخلق التوازن النفسي والاجتماعي والفكري لصناعة جيل معتدل في قراراته الحاضرة والمستقبليَّة، ولا يتعارض مع أسس العقيدة عملاً بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».