خبّي العسل بجرارو

تلفلف انهزامها وانكسارها وتضحك بكبرياء مزيفة لتقول للذين حولها جملتها المتكررة دائماً «خبّي العسل بجرارو لتجي أسعارو»

انتظرت عشرين سنة ولم يُعرض عليها سعر يناسب مكانتها ومكانة عائلتها وبيتها العريق البارد الذي خرج منه إخوتها وأخواتها الواحد بعد الآخر وأسس كل منهم بيتاً وعائلة وأطفالا ولم يبق سوى عجوزين بأمسّ الحاجة أن تسقيهما وتطعمهما  وتراقب الساعة.. متى يحين موعد دوائهما .. وتستعجل خطواتها حين انتهائها من عملها كي تساعدهما للوصول إلى الحمام ، فقد كان ممنوعا عليهما شرب السوائل بغيابها لئلا يحدث ما يجعلها تدير الغسالة بآخر الليل.

كانت تختلف عن باقي أخواتها البنات، هي الأجمل والأحلى

لماذا ترضى بعريس لا يوفر لها كل ما تحلم به وتتمناه .. تصرّ على أن للعسل أسعاراً غالية .. من يستطيع أن يدفعه فهو الأحق والأجدر بها .

نسيت الزمن والزمن غدر بها حتى وصلت للخامسة والثلاثين ولم تجد من يقدّر هذا العسل ويعرف قيمته.

بقي العسل في الجرار وأصبح برأيها معتقاً ومن الضروري أن يزيد سعره أكثر.

صديقاتها بالعمل الواحدة تلو الأخرى تلتقي بابن الحلال ، تلبس خاتم الخطوبة ، تحتفل بالزواج ، تستقبل أول مولود ، مهمتها فقط أن تقدم الهدايا والمباركات  وزيارة أو زيارتين تشعر أنها غير مرغوب بها ، تحزن ، تغضب من صديقتها ، بعدها تبرر لها خوفها ، هي جميلة ، ساحرة ، غير مرتبطة ، قد تخطف منها الزوج وهذا ما يرضي غرورها ويجعلها تتمسكّ أكثر بحكمتها عن العسل و الجرار ..

تذهب لتطمئن على أختها الصغيرة وتبدأ بثرثرتها وحكاياتها عن نفسها ونظرات الإعجاب الكثيرة التي تزعجها أحياناً ، تبتسم الأخت وتقوم لتتزين قبل أن يأتي زوجها ..

تمر على بيت أخيها وزوجته التي تسمعها كلاماً موارباً وقاسياً عن عنوستها  وتضع اللوم على كسلها لأنها لا تعرف كيف تختار عريس الغفلة.

ترجع مكسورة وتجبر خاطرها بقولها «خبّي العسل بجرارو لتجي أسعارو»

تدخل غرفتها لتعيش لحظات مع نفسها .. تسمع أصواتاً

وين كنتي ؟ لهلأ ما تعشّينا.

سكري شباك أوضتك ما بدنا حكي.

تاني مرة ما تتأخري بالجية ع البيت .. عيب .. بيحكو علينا الناس ..

و تلتقط أذناها حواراً لأمها بصوت خافت

الله يبعتلا نصيبا .. يا حسرتي عليها كلن تزوجو إلا هي .. بقيت متل بيت الوقف لو رضيت بابن خالا .. ولا هداك رفيقا بالشغل نعمان قديش كان كويس .. نسيت مصطفى كان شب بياخد العقل ! محمود يلي صار دكتور قد الدنيا ! قال شو ما عجبا .. طول عمرا حاطة مناخيرا بالسما وما بيعجبا العجب!

تهمس : ما بدي بيع العسل برخيص .. وحدة متلي بيلبقلا واحد غير شكل ..

أغلقت باب غرفتها .. أحست ببرودة شديدة .. وبدأت أطرافها ترتجف ..  اندست تحت اللحاف .. تمنت لحظتها أن يكون إنسان قربها يمدها بالدفء والحنان .. أصغت السمع كثيراً علها تسمع صوتاً يناديها ماما ..

كرهت العسل وطعم العسل وأسعار العسل..

و تمنت لو عادت بعمر الخامسة عشرة .. جديلتها على كتفها .. تحمل صينية فناجين القهوة وامرأة تقول : ما شاء الله عليها .. عمر طاير عقلو فيها ..

تمنت لو قالت أو هزت رأسها أو خجلت وركضت ..

تمنت لو يومها كان عمر عريسها حتى لو لم يبق في جرتها نقطة عسل ..