استقبلت دعوة الحضور لتونس للمشاركة في اجتماع خاص بشؤون المرأة العربية، لم تكن لديّ الكثير من المعلومات عن تونس إلا عندما تناقلت قنوات الأخبار التيلفزيونية والإذاعية وعلى النت والصحف أخبار الشاب العاطل عن العمل (بو عزيزي)، وهو يحترق بالنار في منظر صاعق وبشع ومؤلم للإنسانية في أكثر اللحظات يأسًا وضعفًا.
لم أكتف بالخبر على شاشة التلفاز، ورحت أبحث عن المزيد على النت؛ لمعرفة ما الذي يدفع بشاب يافع إلى هذا الفعل المريع.
كان شعب تونس أيضًا قد استفزته الصور والواقعة، وخرج إلى الشارع في غضب شعبي لم يسبق له مثيل في الشارع العربي. كانت لامبالاة النظام ومحاولاته لإخماد شعلة الجماهير كالريح التي أججت المزيد من الحماس والصمود في قلوبهم، وكانت ثورتهم النابعة من عمق الألم وعبء المذلة بحجم الصاعقة التي بثتها صور بوعزيزي، فقد انتشرت نار الثورة إلى كل بلد عربي يحلم بالكرامة.
كان الوضع قد هدأ في تونس بعد هروب رئيسها بن علي، ولم تعد تونس تتصدر الأخبار، فقد حلت مكانها مصر ومن ثم اليمن..
أترقب موعد سفري وأنا أحدث نفسي بأن رحلتي إلى تونس ستهدئ قليلاً من القلق والتوتر النفسي الذي كنت أمر فيه من الأوضاع السياسية المتأزمة في اليمن وتدهور الأوضاع المعيشية، وكم كنت مخطئة.
مضيفتي رائعة البسمة بشوشة الوجه، وهي ترحب بي في بيتها التونسي الأبيض اللون، وشرفته الصغيرة الناصعة البياض، حيث تشرق الشمس بدفء يشبه دفء ابتسامة مضيفتي.
العشاء الذي أعدته أم مضيفتي رائع ولذيذ، وبينما أنا أتذوق السلطة التونسية وصحن المحشي والشربة التونسية كان الضيوف التونسيون حول المائدة يتحدثون باللغة الفرنسية، ويجدون صعوبة في التحدث باللغة العربية، فكان الحوار خليطًا من اللهجة التونسية المطعمة باللكنة الفرنسية.
كانت أول كلمات تلقيتها هي: إن شاء الله تنجح ثورة اليمن مثل نجاح ثورة تونس.
وعبارات: مبروك ثورة اليمن. شعرت بتشابه الزمان والمكان والتاريخ، بينما يتحدث الجميع عن الثورة في تونس وعن مجريات الأحداث والمظاهرات والقلق الشعبي والفراغ السياسي وأعداء الثورة وفظائع بقايا النظام... كانت الأوضاع في تونس العاصمة قد عادت للتدهور بعد هدوء نسبي، وتم فرض حظر التجول في المدينة بعد الساعة التاسعة.
ابتسمت وأنا أشاهد مضيفتي لا تتوقف عن مشاهدة نشرات الأخبار، ومتابعة الفيس بوك طوال اليوم؛ حتى لا تفوتها شاردة أو واردة، وتتابع الاتصالات من الأقرباء والأصدقاء للنقاش والتحليل والتفنيد، يبدو أنني مازلت في اليمن، سألتهم عن بوعزيزي وكيف ينظرون إليه، وفوجئت جدًا عندما سمعت أنهم لا يعتبرونه رمز الثورة، حيث إن هناك آخرين قاموا بحرق أنفسهم قبل بوعزيزي، كما أنهم حكوا لي أنه لم يكن بالمثالية التي قد أتخيلها ويتخيلها الآلاف الذين تابعوا أخباره على التلفاز، وأن هناك تفاصيل لم تبث في قصة ضرب الشرطية له.
استغربت جدًا مما سمعت، وتساءلت في نفسي إن كان هذا رأي الأغلبية في تونس؟