على مدى 14 قرنًا، لم نعرف إلا نوعًا واحدًا من الزواج، هو الزواج على سنَّة الله ورسوله.. وفي القرن الخامس عشر الهجري، فوجئنا بفيضان من أنواع الزواج يصعب حصرها.. منها زواج المسيار الذي يجيز لمن يُكثر السير بحكم طبيعة عمله، ويضطر إلى الاغتراب لشهور طويلة، وأحيانا لأعوام، أن يتزوّج أثناء سفره ليعفَّ نفسه، ويحلَّ مشكلة العنوسة المنتشرة في معظم بلاد العالم.. ثم انتشر نوع آخر من الزواج اسمه زواج الـ«فريند».. وكما يبدو من الاسم هو زواج مستورد، صُنع في أميركا.. حيثُ يقيم كل شخص -ذكرا أو أنثى- في منزل مستقل، أو غرفة في بنسيون، حسب المستوى الاقتصادي، وإذا أُعجب «المان بالجيرل» قررا أن يلتقيا في يوم«الويك إند»، حيث يقيمان معًا كزوجين، ثم ينصرف كل منهما إلى حال سبيله.. وإذا زاد الانسجام بينهما، تنتقل «الليدي» إلى منزل الـ«مان»، أو العكس، ويعيشان معًا حياة زوجية فريندية، يقتسمان فيها المصاريف والمسؤوليات.. ولكن لكلّ فرد منهما الحرية المطلقة في العودة إلى حياة الصعلكة وقتما يريد، فهما في النهاية مجرد أصدقاء.
والمجتمع الأميركي يقبل مثل هذه الأوضاع، دون تذمر أو اعتراض من الأهل.. أما المجتمع العربي فلا يمكن تمرير هذا الوضع الغريب إلا إذا ضحكنا عليه، وقلنا له هذا زواج حقيقي يُسمى زواج الـ«فريند»، وبالطبع هناك الزواج العرفي.. وزواج المسفار -ابن عم المسيار- وزواج الدم اخترعه بعض الشباب العربي، حيثُ يعتبر جرح أصبع الفتى والفتاة، ثم تلامس نقطتي دمهما وثيقة زواج!! وهناك بدعة جديدة اسمها زواج الطوابع -نسبة إلى طوابع البريد- وزواج الشات لمستخدمي الإنترنت من الشباب، وزواج الوَنَس بين كبار السن، التماسا للصحبة والإيناس.. لكن في تصوري أن أغرب وأحدث نوع زواج منتشر الآن في منطقة الخليج، هو زواج المثقاف.. والذي قرأت عنه تحقيقًا مشوّقا في مجلة «سيدتي».. وزواج المثقاف -بحسب ما فهمته- هو أن يختار الرجل امرأة قريبة منه في المستوى الثقافي.. بمعنى أنه سيرجئ أهمية العائلة التي يناسبها وشخصية الزوجة أو طباعها، ومدى الانجذاب العاطفي بينهما، ليجعل الأولوية الأولى في اختيار شريكة حياته، أن تكون مثله عاشقة لقصص أنطون تشيكوف وأشعار الفرزدق.. ولست أفهم بماذا يفيدهما تشيكوف أو حتى شكسبير في ذروة الصراع الدرامي لخلافاتهما الزوجية بعد ذلك!.
ومادام العصر الجديد في حاجة لأسماء مبتكرة، وتغيير موضة الزواج مع كل عام، فإنني أقترح أكثر من شكل مبتكر يناسب جميع الأعمار، وجميع الأذواق بأرخص الأسعار، أولا زواج المشوار؛ فالمعروف أن الشوارع أصبحت شديدة الزحام.. والرجل يظل في الطريق لساعات طويلة، خاصة في المدن المزدحمة، كدبي والرياض والقاهرة وبيروت، وتقريبا سائر المدن العربية، فلماذا لا يأخذ الرجل وهو ذاهب إلى عمله فتاة من الطريق، فإذا تعطّل المرور وطال الوقت وخشِي الرجل على نفسه من الفتنة وسط الأزمة المرورية، تزوّج الفتاة الجالسة بجواره وسمَّى هذا زواج المشوار.. ويمكن أن يتم الإعلان عن إتمام الزواج عن طريق ضوء الانتظار، فتعرف السيارات المجاورة أن هناك حالة زواج مشوار.. وتزغرد أبواق السيارات لتبارك الزيجة المرورية..الزواج الثاني هو زواج المج راج بتعطيش الجيم الثانية.. وكلنا يعرف أزمة ركن السيارات.. وبعضنا يدور بسيارته في كل الشوارع المحيطة بمكان العمل دون أن يجد مكانا شاغرا يضع فيه السيارة، وتستغرق هذه المسألة وقتًا طويلا يُخشى فيه على السائق من الفتنة.. لهذا أقترح وجود الراغبات في زواج المج راج بداخل أماكن انتظار السيارات..النوع الثالث هو زواج المبخار.. بعضنا يضطر إلى السفر بحرًا، فماذا تظنه يركب؟ بالتأكيد لن يركب قاربا مطاطيا ولن يركب عقله.. سيحتاج إلى ركوب باخرة.. والرحلة قد تستغرق أسابيع في عرض البحر.. فكيف يحمي الرجل نفسه من الفتنة؟ خاصة مع ظهور عروس البحر ترقص أمام الباخرة، والدرافيل تقفز ببهجة دون أن ترتدي حتى لباس العوم.. الأحسن والأحصن أن يتزوج المسافر بالباخرة زواج المبخار، والمسافر بالطائرة زواج المطيار، وراكب المصعد إلى برج عالٍ يلجأ إلى زواج المصعاد، فإذا كان المصعد في ناطحة سحاب سُمِّي الزواج زواج المنطاح.. والمستخدم للسلم الكهربائي عليه بزواج الكهراب اتقاء لوسوسات الشيطان.. العجيب في الأمر أنه كلما ازدادت أنواع الزواج في الوطن العربي، زادت معها نسبة العنوسة!!