لماذا تتخيلين أشياءً تعذبك بلا طائل، وتجعلين الوهم أشد وجودًا من الحقيقة؟ لماذا لم تغلقي هذا الباب منذ زمن بعيد؟ لقد أعطيتك قلبي ولن أسترده. لا أستطيع، حتى إن أردت، فأنت تملكينه، هو ملككِ لا ملك أحد سواك، وأنت تتحكمين وتتصرفين فيه كما شئت. فمن أين جاءك هذا الخيال؟
تقولين: أنت تخونني. وتستدلين على هذا بإثباتات عجيبة:
لماذا تتأنق في المرآة وأنت ذاهب إلى العمل؟ هل جاءتكم موظفة جديدة؟ موظفة شابة.. جميلة.. قل لي.. أهي جميلة؟ هل هي أجمل مني؟ هل هي أصبى مني؟ انطق.. اعترف!
أعترف بماذا؟
قل لي.. ما اسمها؟ ما لون عينيها؟
عيناكِ أجمل العيون.. وأنت تعلمين.
لا أعلم إلا أنك أنفقت ربع ساعة في تنميق نفسك، وأعدت ربط الكرافت ثلاث مرات.
لم يحدث. لقد بدلت الكرافت.
أرأيت.. أنت تتصرف كعريس ليلة دخلته.
أنتِ بالنسبة لي عروستي، كأننا زففنا ليلة أمس.
لا تغير الموضوع.
يا ستي أرجوكِ.. من فضلك.. لقد بدلت الكرافت لأني وجدت بقعة فيها.
يا سلام! أرنِها.. حالاً.. فورًا.
حاضر.. حاضر يا ستي.. تفضلي (وأريتك البقعة في الكرافت الزرقاء).
وافرض أن هناك بقعة.. منذ متى وأنت تهتم بهذه السفاسف؟
ليست سفاسف.. موظف في مركزي..
أي مركز تقصد؟ (وزررتِ عينيك وأطلت النظر والتحديق في وجهي؛ لتنفذي إلى باطني كما تظنين.. مشكلتك يا حبيبتي أنك تعتقدين أن بك فراسة لا تخطئ).
أي مركز أقصد؟! سبحان الله في طبعك.. أقصد مركزي الوظيفي بالتأكيد.
مركزك الوظيفي أم مركزك العاطفي؟ اعترف أحسن لك!
أعترف أني لم أعد أطيق مثل هذه الخزعبلات المجنونة.
أرأيت؟! لم تعد تطيقني! قلتها بنفسك. أيها الخائن.. هان عليك العيش والملح؟
حين وصلت سيمفونية الصباح إلى هذا الكريشندو (هذه الذروة) اندفعت إلى باب الشقة ورزعته خلفي. وإذا بك تشيعينني وأنا على السلم بالحركة الأخيرة من سيمفونية كل صباح:
طبعًا مستعجل.. ذاهب لها.. ملهوف يا حبة عيني.. منك لله.. سأشكوك لربي على السجادة في كل صلاة.. تعلم أن دعائي لا يخيب.
قلت وأنا في بئر السلم:
ماذا يمكن أن يصيبني أكثر مما نحن فيه.. وماذا بعد الفضيحة بين الجيران؟
إلا أن الخناقة انتقلت إلى الشارع، صارت تدور رحاها بين الشرفة وبين شارعنا، وسط لمة من الجيران وأصحاب المحلات وعابري السبيل. وصوتك آتٍ من الشرفة قمة في الجمال والوضوح: يا محترم.. يا من بلغت الثلاثين.. يا مراهق.. يا خائن.. يا قليل العقل.. يا قليل الدين.. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا فلان يا ابن فلانة...
ويظل صوتك واضحًا جليًّا جميلاً شجيًّا حتى وأنا على محطة الأوتوبيس، والعيون تحاصرني، والعرق يتصبب من وجهي وجسدي.. ونحن في يناير..
سامحكِ الله.